وفي تفسير «الكشاف» للزمخشري وهو من أعلام علماء القرن السادس الهجري ويمثل مذهب الاعتزال أو ما يسميه مذهب أهل العدل والتوحيد وفي تعليقات القاضي ابن المنير عليه وهو من علماء القرن السابع ويمثل مذهب الأشاعرة من أهل السنة أمثلة كثيرة على ذلك حتى ليصح أن يقال إن التفسير والتعليق قد استهدفا هذه الوجهة في الدرجة الأولى.
يقول الزمخشري في سياق تفسير جملة الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: ٢٧٥] ، وتخبط الشيطان من زعمات العرب، حيث يزعمون أن الشيطان يتخبط الإنسان فيصرعه، ثم يستطرد فيقول ورأيت لهم- ويقصد أهل السنة- قصصا وأخبارا وعجائب في الجنّ، وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات، فيعلّق ابن المنير على هذا القول فيقول إنه على الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية- يعني المعتزلة- في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع فاحذرهم قاتلهم الله.
ويقول الزمخشري في سياق تفسير جملة كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ [الأنعام: ٧١] ، إن هذا جاء على ما كانت تزعمه العرب فيعلق ابن المنير قائلا ومن أنكر استيلاء الجنّ على بعض الإناس واستهوائهم حتى يحدث من ذلك الخبط والصرع فهو ممن استهوته الشياطين في مهامه الضلال الفلسفي.
ويقول الزمخشري في سياق تفسير جملة إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ [النساء: ١٧] ، بوجوب قبول التوبة على الله فيعلق ابن المنير قائلا إنه إطلاق يتقيد عنه لسان العاقل ويقشعرّ منه جلده استبشاعا لسماعه ويتعثر القلم عند تسطيره. على أن من لطف الله أنه لم يجعل حاكي الكفر كافرا وحاكي البدعة لضرورة ردّها مبتدعا.
ويقول الزمخشري في سياق تفسير جملة يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [المائدة: ١٧١] ، إن غلوهم كغلوّ الأشاعرة في جعلهم لله صفات أفعال فهم كالنصارى، فيردّ عليه قائلا إن التشبيه بهم أولى، فالنصارى غلوا فجعلوا الإله ثلاثة ولكن المعتزلة غلوا فجعلوا كل آدمي خالقا وشريكا لله.