وواضح أن معظم الأقوال جزاف لا تتسم بأية سمة علمية وتاريخية عدا ما يشبه اسم وتاريخ الإسكندر المكدوني المعروف باستثناء خرافة عمره ووزارة الخضر له وعين الحياة التي شرب منها هذا الخضر. ومع بقاء ثغرة هامة لم يحاول راوي اسم الإسكندر سدّها وهي ما هو معروف من وثنية الإسكندر المكدوني ومقتضى الآيات بكون ذي القرنين مؤمنا موحدا موقنا بالآخرة يوحي الله إليه ويكلمه كأنه من الأنبياء. ومما رواه الطبري وتابعه غيره أن الجبلين اللذين أنشأ ذو القرنين السد بينهما هما بين أرمينية وأذربيجان وروى ابن كثير إلى هذا أن الخليفة العباسي الواثق أرسل سرية للبحث عن السد فغابت سنتين وعادت بعد أن لاقت الأهوال ورأت العجائب في البلاد التي طوفت فيها واحدة بعد أخرى وقالت إنها رأت بناء من الحديد والنحاس وله باب عظيم وعليه أقفال عظيمة، وإن عنده حرسا من الملوك المتاخمين له وإنه عال منيف شاهق لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال.
ولم يذكر المفسر في روايته مكان السد الذي بلغت إليه.
وفي تفسير القاسمي وهو من التفاسير الحديثة في سياق تفسير الآيات عزوا إلى «بعض المحققين» أنه كان يوجد وراء جبل من جبال القوقاز- القفقاس- المعروف عند العرب بجبل قاف في إقليم طاغستان قبيلتان إحداهما اسمها آقوق وثانيتهما ماقوق عرّبهما العرب بيأجوج وماجوج. وهما معروفتان عند كثير من الأمم وورد ذكرهما في كتب أهل الكتاب. وتناسل منهما كثير من أمم الشمال والشرق في روسية وآسية. وأن السد كان بين مدينتي دربند وخوزار في إقليم الطاغستان حيث يوجد مضيق بين المدينتين يسمى الآن بباب الحديد وبالسد وفيه أثر سد حديدي قديم بين جبلين. وذكر نقلا عن صفوة الأخبار أن السور الذي وصلت إليه سرية الواثق العباسي هو سور الصين الذي يبلغ طوله نحو ١٢٥٠ ميلا وسمكه من الأسفل نحو خمسة وعشرين قدما ومن أعلاه نحو خمسة عشر قدما وارتفاعه ما بين خمسة عشر إلى عشرين قدما، وفي أماكن منه حصون يبلغ ارتفاع بعضها إلى أربعين قدما. وهذا السور لم يبنه إسكندر وإنما الذي بناه الإسكندر هو سد دربند. وكلام هذا المفسر يفيد أن ذا القرنين هو الإسكندر المكدوني