للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحسن كذلك أن ننبّه على مسألة هامة أخرى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كتابة شيء غير القرآن عنه «١» حتى لا يختلط بالقرآن وهو وحي الله. ولذلك لم يدون في حياته من سننه القولية والفعلية إلّا القليل حيث روي أن عبد الله بن عمرو بن العاص من شباب الصحابة دوّن بعض الأحاديث في سجل أو أوراق عرفت بالصادقة أو المصدقة ولما تفرق أصحاب رسول الله في الأمصار بعد الفتوحات وانضوى إلى الإسلام أجيال جديدة من العرب وغير العرب صار الأمر في حاجة إلى معرفة السنن النبوية فبدىء بتدوينها في نطاق ضيّق أولا في القرن الهجري الأول ثم اتسع النطاق في القرنين الثاني والثالث حتى صارت الأحاديث تعد بمئات الألوف بعد أن كانت تعدّ بالمئات ثم بالألوف القليلة «٢» . ولقد نشب بين المسلمين في القرون الثلاثة الأولى نزاع وخلاف فكان ذلك مما أدى إلى هذه الكثرة العجيبة، وقد اختلط الغثّ فيها بالسمين بسبب بقاء كثير منها في الصدور تتداولها الألسنة، وعرف على التحقيق في الوقت نفسه أن بعض الزنادقة وذوي الأهواء تجرأوا على رسول الله وأصحابه فوضعوا عليهم أحاديث كثيرة أيضا. غير أن الله قيض لدينه وسنّة نبيه رجال صدق وإخلاص في القرون الثلاثة فتجردوا لتحرير السنّة والأحاديث وتصنيفها واستطاعوا أن يستخلصوا عددا كبيرا منها يتسم بالصحة والصدق رواية ومتنا ويشع فيها نور القرآن والنبوة ويتسق مع خطوط القرآن ومبادئه وأحكامه ولا يتناقض معه. منها ما احتوته كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ومالك وهو الطبقة الأولى. ومنها ما يأتي بعد هذه الطبقة من كتب أئمة الحديث الآخرين الذين يأتي في مقدمتهم الشافعي وابن حنبل وأبو عبيد وأبو يوسف والبيهقي وابن ماجه والدارقطني والتي فيها أيضا أحاديث كثيرة يصح أن تكون صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الأحاديث وتلك من روائع التعليم والبيان والتلقين والهدى والحكمة والسداد في مختلف الشؤون ما يتساوق مع


(١) روى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب شيئا فليمحه» كتاب السنّة للسباعي صفحة ٧٢.
(٢) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>