أحكام النصوص أو تبديلها مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال: إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة ويرى ذلك غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى (البداء) أي بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدّر وينزهه عن ذلك وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي «١» ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بمعنى الظهور بعد الخفاء مثل ما في آية طه هذه: فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [١٢١] وبمعنى الظهور بدون توقع مثل ما في آية سورة الزمر هذه: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [٤٧] وبمعنى تبديل رأي برأي أو موقف بموقف لأسباب طارئة مثل ما في آية سورة يوسف هذه: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وعلى كل حال فكل من هذه المعاني يستتبع أن يكون ظهور بعد خفاء وعلم بعد جهل وحدث غير متوقع وكل هذا محال على الله عز وجل. غير أن الذين يسوغون النسخ بمداه يقولون إنه لا يعدو أن يكون الأمر
(١) هذا نصّ الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها وو عيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣) .