معلوما في علم الله وحكمته لظرف أو مدة من الزمن ثم يرفع أو يبدل أو يعدل وبذلك لا يكون أي معنى من معاني البداء واردا.
وهناك من ينكر النسخ في القرآن استنادا إلى آية سورة فصلت هذه: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ولا يرى الذين يسوغون النسخ في هذه الآية حجة على عدم سواغه ويقولون إنه ليس في النسخ باطلا وكل أمره هو تبديل أمر موقت بأمر آخر كلاهما حقّ في ظرفيهما. وكلاهما في علم الله تعالى «١» .
ونحن نأخذ برأي القائلين بسواغ النسخ ونرى وجهة نظرهما أقوى وما يسوقونه على المنكرين هو الأصوب. ونعتقد أن الآية التي نحن في صددها وآية سورة البقرة [١٠٦] ثم آية سورة الرعد هذه: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) من المؤيدات. وأنه ليس هناك ما يمنع وجاهة النسخ مبدئيا سواء أكان ذلك نسخ الحكم مع بقاء التلاوة أم نسخ الحكم والتلاوة. ولقد كان الوحي القرآني متصلا بأحداث السيرة النبوية وظروفها وكانت هذه الأحداث والظروف تتطور وتتبدل فليس مما ينافي العقل أن يكون الوحي القرآني مماشيا لذلك. ولقد رأينا السيد رشيد رضا يذكر اعتراض الشيخ محمد عبده على احتمال نسيان النبي لبعض الآيات في صدد النسخ وتأويل آية سورة البقرة وبالتالي احتمال النسخ نسيانا من النبي. والآية إنما تنسب الإنساء إلى الله سواء أكان في معنى التأخير والإهمال أم في معنى النسيان فليس والحالة هذه من محل للاعتراض أو القول بأن ذلك مناف للعصمة النبوية. غير أننا نستثني من ذلك: الرأي القائل بنسخ التلاوة مع بقاء الحكم، لأننا لا نرى لذلك حكمة مفهومة والمثل الذي يورد على ذلك وهو آية الرجم خطير رغم الحديث الذي رواه أصحاب الصحاح.
وسنعود إلى بحث هذا الأمر في مناسبته الموضوعية في سورة النور والله تعالى أعلم.