وهذا فضلا عما فيه من مآخذ التكلف والتخمين والتزيد والإغراب وإيراد الأقوال والروايات المتهافتة والاستغراق في الجدل والماهيات الكونية والغيبية والعقائدية.
وإذا كنا اختصصنا تفسير الرازي بالكلام في هذه الفقرة فإننا لا نعني أنه هو وحده الذي سارع على هذا الأسلوب فهناك تفاسير عديدة وكثيرة التفريع والاستطراد إلى ما لا صلة له بتفسير القرآن إلا ما يمكن أن يكون من صلة بعيدة لغوية أو موضوعية ذكر «الإتقان» منها تفسير الثعلبي. وقد اطلعنا في إحدى مكتبات بورسة على تفسير مخطوط ضخم وعديد المجلدات اسمه العادلي ينحو مؤلفه هذا النحو.
ولعل «تفسير المنار» من التفاسير الحديثة مما يصح أن يسلك في هذا السلك. فقد صدر منه اثنا عشر مجلدا تبلغ صفحاتها نحو ستة آلاف من القطع الكبير والحرف الدقيق لتفسير اثني عشر جزءا من القرآن أي أن الله لو فسح في حياة مؤلفه العظيم وأتمه لبلغت صفحاته خمسة عشر ألفا أي أكثر من ضعف تفسير الرازي، ولعله يكون بذلك أضخم تفسير في القديم والحديث. وقد توسع مؤلفه في البحوث وأكثر من الاستطرادات والتفريعات والتعليقات والتزم في كثير منها أسلوب المناظرة وخاصة بين الإسلام والنصرانية ومبشري النصارى وكتابهم بحيث يكاد القارئ ينسى أنه يقرأ تفسيرا وبحيث يصعب التفرغ لقراءته، فأبعده ذلك فيما نعتقد عن أن يكون التفسير المثالي، مع أن التمحيص والتدقيق في بحوثه غالبان، والتكلّف والتهافت فيها قليلان: وقد نمّ عن فهم عميق لأهداف القرآن ومراميه، بحيث يعدّ بحق أحسن المؤلفات الإسلامية القرآنية الكبيرة وأقومها وأقواها وأشدها حرارة وحيوية. وهو من هذه الناحية معلمة إسلامية قرآنية عظيمة القدر من الخسارة أن يموت مؤلفها قبل إتمامها، وفرق كبير من ناحية التمحيص والتدقيق وقلة التكلّف والتهافت والإغراب بينه وبين تفسير الرازي وغيره من التفاسير الكبيرة القديمة والحديثة.