للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث الذي أخرجه أبو نعيم وجاء فيه «القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه» ، وإن منهم من قال إن المسلمين مأمورون بنص القرآن بالنظر فيه وتدبره وتفهم أحكامه وهذا هو متناول التفسير والتأويل، وإن نصوص القرآن تحتم صرف الأحاديث النبوية في حالة صحتها إلى مثل ما صرفت إليه، وأنه ما من آية إلا ويحب الله أن يعلم الناس فيما أنزلت وما أريد منها، ومع أن هذا التوجيه متسق مع طبائع الأشياء، بحيث يكون النهي في الأحاديث إذا صحت قد استهدف النعي على الذين يحاولون صرف نصوص القرآن ودلالاته إلى تأييد بدعة في القول أو رأي فيه انحراف عن جادة الحق وتلقينات القرآن الواضحة ومفهوماته المتواترة، وعلى الذين يلقون الكلام في القرآن على عواهنه ويحملون عباراته غير ما تتحمله ويخوضون في الماهيات الغيبية التي وردت الإشارات إليها بغير سند، ولم يستهدف خطر التدبر في آيات القرآن وأهدافه وتفهم معانيه بالعقل والتفكير والدراية والاستنباط والمقايسة، وخاصة في سبيل تجلية الأهداف السّامية والمثل العليا والأحكام الشرعية التي تنطوي فيه، لأن هذا هو الذي أوجبه القرآن على سامعيه وأنزل على النبي من أجله وجرى السلف الصالح عليه، وهو الذي تدل عليه الروايات الكثيرة جدا المعزوة إلى علماء الصحابة والتابعين وتابعيهم والوارد كثير منها في كتب الأحاديث الصحيحة أيضا إذ أن كثيرا من هذه الروايات إن لم يكن أكثرها تأويلات وتفسيرات اجتهادية شخصية، ويدل عليه كذلك سير المفسرين الذين جاؤوا بعد هذه الطبقة على هذا النمط متجاوزين أحيانا كثيرة حدود الروايات المعزوة إلى المصادر الثلاثة، ومدونين هم الآخرون تأويلات وتفسيرات اجتهادية شخصية نقول إنه مع ذلك كله فإن الروايات ظلت عماد التفسير الأقوى وركنه الأعظم.

ومما لا ريب فيه أن الفكرة من حيث أصلها وجيهة كل الوجاهة، لأن الصحابة والتابعين وخاصة علماءهم هم أعلم بمفهومات القرآن ودلالاته ومناسبات نزوله ومدى مقاصده على اعتبار أنهم أشد الطبقات اتصالا بظروف نزوله وجو نزوله، ومما لا ريب فيه أن القول أقوى صحة ووجاهة وصوابا وأولوية بالنسبة الجزء الأول من التفسير الحديث ١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>