للأحاديث النبوية، كما أن للنهي والتشديد ما يبرر هما لأن خطورة شأن القرآن من جميع الاعتبارات توجب حتما الاحتياط والتروي والتدبر وعدم إلقاء الكلام فيه جزافا، وتجعل الانحراف عن هذه الخطة والخطأ الناشئ عن غير علم وروية إثما كبيرا، لما يترتب عليه من آثار تمسّ بأمور الإيمان والعقيدة ومصالح الإنسانية عامة والمسلمين خاصة.
ومما لا ريب فيه أيضا أن هناك أحاديث نبوية وصحابية قوية الأسناد وردت في كتب الصحاح ومتسقة مع روح الآيات القرآنية ومضامينها كما أن هناك أقوالا منسوبة إلى الصحابة والتابعين وخاصة علمائهم وردت في كتب الحديث المعتبرة سائغة ومعقولة المتون كذلك في شرح العبارات القرآنية وتفسيرها وإيضاح مداها، فيجب الأخذ بتلك الأحاديث وهذه الأقوال والوقوف عندها وإدارة الكلام في نطاقها تبيانا وشرحا وتجلية وتطبيقا.
غير أنه مما لا ريب فيه أن الروايات والأقوال لا يصح أن تؤخذ قضايا مسلمة في هذا الصدد كما في غيره إلا بعد التمحيص متنا وسندا وتطبيقا ومقايسة على العبارات والدلالات القرآنية، وإنه قد تسوهل في هذا الباب تساهلا عظيما، وإن كثيرا مما ورد إن لم نقل أكثره مما يحمل على التوقف فيه من حيث أسناده ومتونه، لغلبة احتمال الخطأ والتحريف والتلفيق والدسّ والانتحال والغرض السياسي والطائفي والنحلي فيه وخاصة ما لا يتسق في مداه ومعناه مع روح الآيات والوقائع التي يلهمها القرآن، وإنه يصدق فيه قول ابن حنبل الذي أشرنا إليه في مناسبة سابقة «ثلاثة لا أصل لها التفسير والمغازي والملاحم» بل ولعلّه إنما قيل بسبب هذه العلات.
ومع أن العلماء والمفسرين قالوا بوجوب التمحيص والنقد، وتوقفوا في روايات وأقوال كثيرة وناقشوها وجرحوها، وفي طليعتهم إمام مفسري المأثور الطبري فإن النهي في أصله والقول بالأخذ بالروايات أولا، وكثرة الروايات كثرة عجيبة ثانيا جعل هذه الروايات تستفيض في مختلف كتب التفسير على علاتها،