والآية [٤٧] بخاصة تلهم أنه كان من نقاط الجدل القائم مما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الكتب السماوية المتداولة بين أيدي أهل الكتاب. وأن المجادلين كانوا يتخذون ذلك وسيلة إلى الطعن بالقرآن ولدعوى اقتباس النبي من هذه الكتب. فردّت الآية بعدها على هذه النقطة ردا قويا على النحو الذي شرحناه.
والنفي المذكور في الآية [٤٨] يحتمل أن يكون أريد به نفي تلاوة النبي كتابا ما من الكتب السماوية أو الاطلاع عليه قبل القرآن أو كتابته أو نفي القراءة والكتابة بالمرة عنه تدعيما لحجة كونه لم يقرأ الكتب السماوية ولم يكتبها لأنه لم يكن يحسن ذلك، وبالتالي دحضا لدعوى اقتباسه من الكتب السماوية. والإطلاق في النفي أو تنكير المنفي مما يمكن أن يكون قرينة على أن المراد هو الاحتمال الثاني.
وإطلاق النفي في الآية وأسلوبها ينطويان على التحدي والتنديد والتذكير.
فكأنما أريد أن يقال إن المجادلين المدّعين يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب، وبالتالي لم يتسن له قراءة الكتب السماوية وكتابتها. وإذا لا حظنا أن هذا النفي يتلى علنا ويسمعه الناس من كتابيّين وغير كتابيّين أدركنا ما فيه من قوّة الردّ على دعوى المدّعين وتحدّيها وتزييفها.
ويتبادر لنا أن النفي منصبّ على القراءة والكتابة الشخصيتين. وهذا لا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع من بعض الكتابيين شيئا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانوا يتداولونها وينسبونها إلى أنبيائهم، مما ذكرت شيئا منه بعض الروايات وذكرناه في سياق تفسير سورتي النحل والفرقان.
ولقد قلنا إن الآية [٤٧] تلهم أن من نقاط الجدل القائم ما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الأسفار المذكورة آنفا. ولسنا نرى في هذا إشكالا مؤيدا لدعوى المدعين. فكل ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن المحكمة والمتشابهة من وحي الله الذي كان ينزل على قلبه اقتضته حكمة التنزيل ولو كان فيه تطابق مع الأسفار وقد سيق في القرآن للعبرة والموعظة لا للتاريخ.