للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربية واستطاعوا بما كان لهم من أموال ونشاط زراعي وتجاري وصناعي ومعارف دينية وغير دينية أن يحتلوا في نفوس العرب وبيئتهم مكانة وأن يصبحوا عندهم ذوي نفوذ وتأثير.

وننبه على أننا لا نريد أن ننفي أن يكون بعض عرب الحجاز قد تهودوا بتأثيرهم. غير أن ما يروى من أنه كان في الحجاز قبائل عربية متهودة، أو أن قبائل اليهود في المدينة بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، كانت أو كان بعضها عربا غير صحيح ويؤيد ذلك الوقائع والأحوال التي ذكرناها. وبخاصة توجيه الخطاب ليهود المدينة باسم بني إسرائيل.

على أن من الحقائق التاريخية المؤيدة بالآثار القديمة أن اليهودية قد تسربت من إسرائيليي الحجاز إلى اليمن في القرن الخامس بعد الميلاد واعتنقها بعض ملوك حمير وقبائلها «١» ، غير أنها توارت عن اليمن فيما نعتقد بعد غزو الأحباش النصارى لليمن في أوائل القرن السادس بعد الميلاد واستيلائهم عليها. وكان من أسباب هذه الغزوة اضطهاد ملك حمير وحكومته المتهودون نصارى اليمن ومحاولتهم إجبارهم على اعتناق اليهودية على ما شرحناه في سياق سورتي الفيل والبروج شرحا يغني عن التكرار. ونعتقد أن الأحباش طاردوا اليهودية واليهود وطردوهما عن اليمن أو أبادوهما. ومن الأدلة على ذلك أن الروايات لم تذكر شيئا عن وجود اليهود في اليمن في زمن بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين. ولقد أثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث جاء فيه: «أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب» كآخر وصية له. وروى الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج «٢» أن عمر بن الخطاب أجلى عن اليمن نصارى نجران وعن الحجاز اليهود عملا بهذه الوصية ولم يرد شيء عن إجلاء يهود عن اليمن. وكل هذا يدعم ما قلناه. واليهود الذين كانوا


(١) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي ج ٣ ص ١٥٠- ٢٧٣ وكتابنا تاريخ الجنس العربي ج ٥ ص ٨٨ وما بعدها.
(٢) ص ٢٩ و ٤٠ و ٤٢ وانظر أيضا فتوح البلدان للبلاذري ص ٢٩- ٤١ و ٧٠- ٧٥ وطبقات ابن سعد ج ٢ ص ١١٩- ١٢١ وابن هشام ج ٤ ص ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>