وبعض هذه العبارات الانجيلية قد يفيد أن روح القدس شخصية إلهية مقدسة. كما قد يفيد بعضها أنه روح ربانية تنزل لتأييد الأشخاص المؤمنين. أو أنه رسول رباني لتنفيذ أوامر الله وهذا المعنى الأخير مطابق لما جاء في القرآن على ما شرحناه في سياق تفسير سورة مريم.
ومعلوم أن هذا التعبير في العقيدة النصرانية يعني أحد أقانيم أو صور الذات الإلهية التي هي الأب والابن وروح القدس. وهذه الألفاظ وردت في الأناجيل المتداولة. ولكن تلك العقيدة ليست محبوكة بشكلها الراهن في أي إنجيل، وإنما هي من قرارات مجامع دينية انعقدت في القرن الرابع بعد الميلاد بأمر ورعاية الامبراطور الروماني بسبب ما كان بين رجال الدين النصراني من خلافات حول لاهوتية المسيح والروح القدس على ما شرحناه في سياق سورة مريم أيضا.
والمرجح أن هذا التعبير كان مستعملا من قبل نصارى العرب قبل الإسلام ترجمة عن اللغة الإنجيلية السريانية أو اليونانية.
ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن التعبير القرآني يضع الأمر في نصابه من وجهة نظر القرآن والعقيدة الإسلامية في عيسى (عليه السلام) حيث ينطوي في الجملة التي جاء فيها تقرير كون عيسى رسول من رسل الله وأن الجملة تعني تأييد الله إياه بروح وقوة منه اقتضت حكمة التنزيل تسميتها بِرُوحِ الْقُدُسِ ولا ضير على المسلم بل من واجبه أن يستعمل هذه التسمية في التعبير عن تأييد الله تعالى لعيسى (عليه السلام) لأن ذلك نص قرآني، مع الوقوف عند ذلك وإيكال مدى هذه الحكمة لله تعالى ودون أن يكون ذلك من المسلم تسليما منه بما استقرت عليه عقائد النصارى المجمعية من مدى ومعنى روح القدس لأن فحوى الجملة وروحها ومقامها في القرآن لا يمكن أن يتحمل ذلك. وهي صريحة كل الصراحة بأن روح القدس الذي يؤيد الله به عيسى غير ذاته وليس جزءا منه أو صورة له بأي حال كما هو في تلك العقائد. والقرآن هو الضابط المهيمن على الكتب السماوية التي ينسبها أهل الكتاب إلى الله ويتداولونها كما جاء صراحة في آية سورة المائدة: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فما يقرره هو