الله البلد الذي فيه البيت آمنا ميسّر الرزق حيث انطوى فيها بالإضافة إلى واجب الإيمان بخبر دعاء إبراهيم الذي أخبر به القرآن توكيد الصلة بين إبراهيم وبين أمن البلد الحرام وما يتمتع أهله به من رغد الرزق. وهذا كله يقال أيضا بالنسبة لما ذكرته الآية [١٢٧] من بناء البيت من قبل إبراهيم وإسماعيل.
ومقام إبراهيم هو على أرجح الروايات وأوجهها مكان معين في فناء الكعبة ما يزال معروفا بالتواتر الذي لم ينقطع منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم. وصيغة الآية وروحها يلهمان أن هذا المكان كان معروفا باسم مقام إبراهيم قبل البعثة النبوية، وقد أثر حديث عن عمر بن الخطاب رواه البخاري جاء فيه:«وافقت ربّي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى ... إلخ» . وقد روى المفسرون أنه كان يطلق على مكان فيه حجر عليه ما يشبه طبعة قدم كان العرب يعتقدون أنها أثر قدم إبراهيم حيث كان يقف عليه حينما كان يبني الكعبة. وفي الحديث الطويل الذي رواه البخاري عن ابن عباس وأوردناه في سياق تفسير الآيات [٣٥- ٤١] من سورة إبراهيم والذي فيه خبر إسكان إبراهيم ولده إسماعيل في وادي مكة وبناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة بأمر الله إشارة إلى هذا الحجر حيث ينطوي في هذا ما قلناه في مناسبات سابقة من أن العرب في بيئة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعصره كانوا يتداولون ذلك. وإذا كان ليس اليوم هناك حجر عليه طبعة قدم فهذا لا ينفي ذلك التداول الذي كان مستندا إلى مشاهدة حيث يكون قد زال الأثر بتأثير السنين الطويلة.
وفي كتب التفسير في سياق هذه الآيات أحاديث وروايات مسهبة معزوة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعض أصحابه وتابعيهم في صدد أولية وظروف بناء الكعبة من قبل إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) . وقد أوردنا من ذلك ما رأينا فيه الكفاية والفائدة في سياق تفسير سور قريش وإبراهيم والحج فنحيل القارئ عليه ونكتفي هنا بهذا التنبيه.
ولقد روى المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتابعيهم في صدد جملة وَأَرِنا مَناسِكَنا في الآية [١٢٨] أن المقصود منها مناسك الحج وهي