للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والابتهال بأن يوجّهه الله إلى الكعبة فاستجاب الله دعاءه وأنزل الآيات. وقد روى البخاري والترمذي عن البراء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا «١» وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة فأنزل الله: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فوجه نحو الكعبة فصلى رجل معه العصر ثم مرّ على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس. فقال هو يشهد أنه صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنه قد وجّه إلى الكعبة فانحرفوا وهم ركوع.

وروح الآيات تتسق مع هذه الأحاديث الثلاثة وإن كان الأولان لم يردا في الصحاح. وبدء الحلقة بحرف الاستقبال يلهم أن نشاط اليهود في الدس والتشكيك كان متوقعا. وهذا ما يفسر احتواء الآيات حججا وتبريرا وإقرارا وتطمينا كما هو المتبادر. ولا نريد أن ننفي بهذا احتمال كون اليهود قد انتقدوا ودسوا وشككوا بعد التحويل. وليس في بدء الآيات بحرف السين وتقدم الآية سَيَقُولُ السُّفَهاءُ ... إلخ [١٤٢] على آية: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ... إلخ [١٤٤] ما يمنع هذا لأن الآيات وحدة كاملة محبوكة.

ولقد روى الطبرسي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في مكة يتجه إلى الكعبة فلما هاجر إلى المدينة تحول عن هذا الاتجاه إلى سمت المسجد الأقصى ليتميز المسلمون عن المشركين الذين كانوا يقومون بطقوسهم الوثنية حول الكعبة ففرح اليهود وصاروا يزهون على النبي والمسلمين باتباعهم قبلتهم واعتبارهم ذلك اعترافا منهم بأنهم


(١) التاج ج ٤ ص ٤٤ ونص الحديث برواية البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن البراء:
«صلّينا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم صرفنا نحو الكعبة» (التاج ج ١ ص ١٣٥) ومع ذلك ففي الطبري والخازن وابن كثير روايات تذكر أن التحول كان لثلاثة عشر أو لثمانية عشر شهرا. وأنه كان يوم الاثنين أو الثلاثاء في نصف رجب وأنه كان في صلاة الظهر في مسجد بني سلمه حيث صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالناس ركعتين نحو المسجد الأقصى وتحوّل مصلى الركعتين الثانيتين نحو الكعبة وهذا يفيد أن الوحي بالتحويل كان أثناء الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>