للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الهدى وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين يقتبسون هداهم منهم. ولقد روى الطبري أن تحول النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الكعبة إلى المسجد الأقصى حينما جاء إلى المدينة كان تألفا لليهود. كما روي أن الأنصار كانوا يصلون قبل وصول النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وطيلة عامين إلى بيت المقدس حيث يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم باتجاهه نحو هذا البيت حينما وصل قد أقرّهم على عملهم. والروايات لم ترد في الصحاح ولا مانع من صحتها وليس بينها تناقض. وفقد يكون اتجاه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى سمت بيت المقدس حين وصوله للأسباب المذكورة جميعها فلما وقف اليهود منه موقف الجحود والتعطيل والدس ثم صاروا يزهون عليه وعلى المسلمين حزّ ذلك في نفسه وفي نفس المسلمين وانبثقت في نفسه أمنية التحول عن سمت بيت المقدس ولا سيما إنه قد ظهر من اليهود ما أيأسه منهم وصار ينتظر وحيا ربانيا بالتحول. والآية الثالثة والأحاديث والروايات التي أوردناها تدعم ذلك بوجه الإجمال. وقد يمكن أن يزاد على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حين صار يائسا أو كاليائس من اليهود تراءى له أن اتجاهه إلى قبلتهم مما يضعف قوة دعوته للعرب وأن عودته إلى قبلته الأولى مما يؤلف قلوبهم كما أنه كان يعرف مكانة الكعبة بيت الله القديم الذي يرتبط به العرب والذي كان من منظمات الوحدة الروحية فيما بينهم بسبب اشتراكهم جميعا في حجه وأداء المناسك عنده. والذي هو في الوقت نفسه متصل بإبراهيم وما يزال أثره متداولا باسم مقام إبراهيم وقد كانت ملّة إبراهيم من عناوين رسالته. وهو أولى الناس بها كما جاء في آية سورة آل عمران [٦٨] فكان ذلك مما جعله يتمنى أن يوجهه الله إلى الكعبة.

ولعل فقرة لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ في الآية التاسعة أي [١٥٠] مما يتصل بهذا المعنى أيضا.

ولقد روى البخاري والترمذي عن ابن عباس «١» في صدد آية: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أن بعض المسلمين قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله الآية. ومما رواه المفسرون «٢» في صدد


(١) انظر التاج ج ٤ ص ٤٥.
(٢) انظر تفسيرها في الخازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>