ذلك أيضا أن اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس إن كانت على هدى فقد تحولتم عنه وإن كانت على ضلالة فقد دنتم لله بها مدة ومن مات عليها فقد مات على ضلالة.
ولا تناقض بين الرواية والحديث حيث يمكن أن يكون الذين سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فعلوا تأثرا بكلام اليهود وتشكيكهم.
وهكذا حاول اليهود أن ينفثوا سمومهم بالانتقاد والتشكيك والدّس نتيجة لما شعروا به من شدة الضربة الأدبية التي وجهت إليهم بتحويل سمت القبلة.
ولقد روى الطبري في صدد جملة: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ...
إن بعض المسلمين ارتدوا بسبب تحويل القبلة وأظهر كثير من المنافقين نفاقهم وقالوا ما بال محمد يحولنا مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا، وقال المشركون تحيّر محمد، وقال المسلمون بطلت صلواتنا السابقة فكان تحويل القبلة فتنة وتمحيصا لإخلاص المؤمنين. ولا مانع من صحة الروايات وإن لم ترد في الصحاح وحديث البخاري والترمذي مما يؤيد ذلك.
ويلاحظ أن الآية هي في صدد اختبار المؤمنين في القبلة السابقة وليست في صدد القبلة الجديدة. والذي يتبادر لنا من روح الآية وفحواها أن المسلمين كانوا يشعرون بشيء من الغضاضة أو عدم الارتياح بسبب اتجاههم إلى بيت المقدس.
فلما أمر الله بالتحول اقتضت حكمة التنزيل أن يرد في الآية ما ورد على سبيل التنبيه. ومن المحتمل أن يكون شعور المسلمين هذا كان بسبب زهو اليهود كما أن من المحتمل أن يكون بسبب شدة تعلقهم بالكعبة وهي التي درجوا أن تكون معبدهم ومحجّهم منذ الأزمنة القديمة.
ولقد تعددت الأقوال في مدى جملة: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ منها أن الاتجاه يكون نحو سمت باب الكعبة أو نحو الميزاب وأورد ابن كثير حديثين في ذلك منهما واحد أخرجه الحاكم في مستدركه عن ابن عمر وواحد أخرجه ابن