في هذه الآيات وجّه الخطاب إلى ثلاث فئات في موضوع واحد:
فأولا: وجّه للناس عامة هاتفا بهم بأن الله قد أحلّ لهم كل طيب في الأرض فليأكلوه، ولا يستمعوا إلى وساوس الشيطان فيخرجوا عن هذا الحد والوصف فإن الشيطان عدوّ لهم ولا يوسوس إلا بما فيه السوء والشر والقبح والافتراء على الله بما لا يعلمون حقيقته وبرهانه.
وثانيا: وجّه الخطاب للكفار بأسلوب تنديدي: فحينما يقال لهم اتبعوا ما أنزل الله ولا تنحرفوا عن الحدود التي رسمها يجيبون بأنهم إنما يفضلون السير على ما وجدوا عليه آباءهم. وقد وجه لهم سؤال إنكاري ينطوي على التقريع عما إذا كان يصحّ أن يصروا على السير على ما كان عليه الآباء ولو كانوا ليسوا على علم وعقل وهدى ثم شبهت حالتهم بحالة البهائم التي يصرخ فيها راعيها فتسمع صوته ولا تفهم معنى كلامه، فهم صمّ لا يسمعون وبكم لا ينطقون وعمي لا يبصرون.
وثالثا: وجّه الخطاب إلى المؤمنين هاتفا بهم بأن يأكلوا مما رزقهم الله من الطيب الطاهر الحلال وبأن يشكروا نعمته ويلتزموا حدوده إذا كانوا حقا مخلصين له في الإيمان والخضوع. ومبينا لهم ما حرّم أكله عليهم وهو الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه حين ذبحه مستثنيا من الحظر المضطر إلى تناول شيء من هذه المحرمات. فليس عليه إثم على شرط أن لا يتجاوز حدود الضرورة ولا يكون سيء النية باغيا فالله غفور رحيم في مثل هذه الحال.
وتبدو الآيات فصلا جديدا، غير أن احتواء الآيات السابقة تقريعا ولعنة للذين لا يبينون ما عندهم من علم الله واحتواء الآيات التالية لها تقريعا للذين يكتمون ما أنزل الله ولأهل الكتاب الذين هم متنازعون مختلفون فيما بين أيديهم من كتب الله يسوغ القول إن بين هذه الآيات وما قبلها وما بعدها صلة ما.