للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى المفسرون «١» أن الآية الأولى نزلت في العرب الذين حرّموا على أنفسهم بعض الأنعام المنذورة وأن الآية الثانية نزلت في اليهود حين دعاهم إلى اتباعه. والروايات لم ترد في الصحاح، ويقتضي أن تكون الآيات نزلت متفرقة مع أن الملموح أنها وحدة، حيث يرجح استلهاما من انسجام الآيات جميعها أنها نزلت في موقف واحد وهو الذي حكته الآية [١٧٠] وأن الأمر متصل بصورة عامة ببعض تقاليد الكفار من العرب المتصلة بالأطعمة الحيوانية. وأن الموقف كان حجاجيا ووجاهيا بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعض هؤلاء الكفار وأن الآية الأولى جاءت بمثابة تمهيد لحكاية هذا الموقف وأن الآيات [١٧٢- ١٧٣] التي خوطب بها المؤمنون جاءت كتعقيب على هذا الموقف لتنبيه المؤمنين إلى الحدود التي يجب عليهم التزامها دون أبوه بموقف الكفار وتقاليد الآباء المخالفة لإرادة الله تعالى في القرآن إن كانوا يؤمنون به ويعبدونه حقا. ولقد احتوت سورتا الأنعام والنحل آيات مشابهة لهذا الفصل، وآيات الأنعام [١٣٤- ١٤٥] نزلت في صدد موقف حجاج ولجاج كان بين النبي صلّى الله عليه وسلّم والكفار المشركين. وآيات النحل [١١٢- ١١٧] وجهت إلى المؤمنين واحتوت نهيا عن التحريم والتحليل بدون علم وإنذارا لمن يكذب على الله. فالظاهر أن مثل هذا الموقف قد حدث بين النبي وبعض الكفار في العهد المدني فأوحى الله بهذه الآيات في مناسبة ذلك. ولا يبعد أن يكون اليهود قد لعبوا دورا إيحائيا في الموقف. وقد يكون في الآيات التالية وفي الآيات السابقة قرينة على ذلك حيث يحتمل أن يكون الكفار طلبوا إشهاد اليهود على صدق تحريم الأنواع الأربعة فاستشهدهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنها محرمة عندهم أيضا فراوغوا أو لم يشهدوا. ومن الجدير بالتنبيه أن فصل سورتي الأنعام والنحل اتبعا بذكر ما حرم على اليهود على ما مرّ شرحه في سياق تفسير السورتين.

ولقد علقنا على ما تلهمه الآيات وما تنطوي عليه من تلقينات جليلة مستمرة المدى وأوردنا طائفة من الأحاديث في صددها في سياق تفسير سورتي الأنعام


(١) انظر ابن كثير والطبرسي والخازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>