والنحل فلا نرى ضرورة للتكرار. غير أننا نلفت النظر إلى الصورة التي ترسمها الآية [١٧١] للكفار والتشبيه الذي شبهوا به وإلى التنديد الذي ندد بهم بسبب تمسكهم بما ورثوه من آبائهم الذي لا يكون له سند من حق وعقل وصالح. ففي كل ذلك تلقين بليغ مستمر المدى في تقبيح التمسك بالتقليد الباطل لأنه قديم وعدم التدبر فيما فيه الحق والهدى من جديد.
وهذا مما تكرر في سور مكية عديدة وتكرر كذلك في سور مدنية أخرى.
ومردّ حكمة تكراره فيما هو المتبادر أولا تجدد المواقف والمناسبات وثانيا ما ينطوي عليه من خطورة بالغة، ودلالة عظيمة على سعة أفق الدعوة الإسلامية وحيويتها المتجددة وكون الهدف الذي تستهدفه وتلزم به أتباعها هو الحق والصالح والهدى وما يتسق مع العقل والمنطق بقطع النظر عن قدمه وجدته.
ولقد أورد المفسرون في صدد خطوات الشيطان التي نهت الآية الأولى عن اتباعها بعض أقوال للمؤولين منها أنها تعني كل معصية إطلاقا لأن الشيطان يأمر بجميع المعاصي ومنها في مقامها عنت ما كان عليه أهل الجاهلية من تقاليد في تحليل بعض الأطعمة وتحريمها. والمتبادر أن هذا هو الأكثر ورودا في هذا المقام وإن كان القول الأول يظل وجيها بصورة عامة. ولقد أورد ابن كثير بعض الأحاديث النبوية في سياق الآية من ذلك حديث رواه مسلم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«يقول الله تعالى إنّ كلّ مال منحته عبادي فهو لهم حلال وإني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم» ومنها حديث أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: «تليت هذه الآية عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع لي الله أن يجعلني مستجاب الدعوة.
فقال: يا سعد أطبّ مطعمك تكن مستجاب الدعوة. والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيّما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به» . وحديث أخرجه ابن أبي حاتم عن مسروق قال: «أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم. فقال: لا أريده. فقال: أصائم أنت؟