أي عدوان وعلى التنكيل بأي معتد. وكافلين لأنفسهم المنعة والعزة والكرامة والطمأنينة والأمن والحرية والربط بين الإنفاق والتهلكة وبخاصة الحث على المغالاة في الإنفاق- وهذا ما تعنيه جملة: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ على ما ذكره المؤولون- عظيم المغزى من أجل ذلك.
ولقد روى الطبري رواية تذكر أن بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو تابعيهم ظنوا أن الإقدام على مبادرة العدو في قلة قد يكون إلقاء للنفس في التهلكة الذي نهت عنه الآية فانبرى أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم وفنّد رأيهم وقال لهم إن الله أمر رسوله بالقتال ولو وحيدا حيث قال له: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا النساء: [٨٤] وإن جملة: «وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة: [١٩٥] هي في صدد الإنفاق في سبيل الله والمغالاة فيه لأن الإمساك عن ذلك هو الذي يؤدي إلى التهلكة»«١» . وفي سورة التوبة هذه الآية:
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) وتنطوي على صورة مألوفة دائما وهي إن وجود المقاتلين من المؤمنين ميسور دائما وإنما المشكل هو النفقة التي يمكن بها حشد المقاتلين وإعداد وسائل القتال مما يزيد في خطورة
(١) هذه الرواية يرويها أصحاب السنن أيضا بهذه الصيغة الجليلة المغزى عن أسلم النجيبي قال: «كنا بمدينة الروم فبرز لنا صف عظيم منهم وخرج من المسلمين لهم مثلهم أو أكثر فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة. فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سرّا إن أموالنا قد ضاعت وإن الله أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه الآية يرد علينا قولنا حيث عنت أن الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو هو التهلكة. وما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى استشهد ودفن في أرض الروم» . التاج ج ٤ ص ٥١.