مدى العبارة القرآنية ومغزاها. ويفسر هذا ويدعمه موالاة القرآن في الحثّ على الإنفاق في سبيل الله وجعل الجهاد بالمال مقدما على الجهاد في النفس في آيات كثيرة منها آية سورة البقرة [٢٦١] وآية سورة الحجرات [١٥] وآية سورة محمد [٣٨] وآية سورة التوبة [٨٨] وغيرها وغيرها.
ولقد روى المفسرون عن بعض التابعين أن جملة: الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ [١٩٠] تعني الذين هم أهل للقتال وأنها تستثني النساء والشيوخ والذراري والرهبان ومنهم من روى عن ابن عباس زيادة وهي: (ومن ألقى إليكم السلم وكف يده) ومما رووه عن ابن عباس أيضا أن جملة: وَلا تَعْتَدُوا تعني كذلك عدم قتال وقتل النساء والشيوخ والذراري- الأطفال- والرهبان. ومع أن هناك أحاديث نبوية تنهى حقا عن قتل هؤلاء سوف نوردها بعد فالذي يتبادر لنا أن العبارات القرآنية عامة مطلقة المدى تتناول كل من سالم المسلمين وكف يده عنهم وكل من لم يكن أهلا لحرب وقتال وغير مشترك في حرب وقتال. وفي القرآن آيات عديدة تدعم هذا الإطلاق وفيها قواعد وضوابط له منها آيات سورة النساء [٩٠- ٩١] وسورة الممتحنة [٨- ٩] على ما سوف يأتي شرحه في مناسباته.
ولقد قال بعض المفسرين «١» عزوا إلى بعض التابعين أن كلمة وَالْفِتْنَةُ في الآيات تعني الشرك. وأن تعبير فَإِنِ انْتَهَوْا يعني الانتهاء عن الشرك، وأن الآيات تأمر بقتال الذين يقاتلون المسلمين إلى أن يسلموا ويزول الشرك إطلاقا. وروح الآيات ومضمونها لا يساعدان على هذا لأنها تأمر المسلمين بقتال من يقاتلهم مع عدم الاعتداء من جهة، وعدم القتال عند المسجد الحرام أو في الشهر الحرام إلا إذا قوتلوا فيهما من جهة، وبمقابلة العدوان بمثله وظروفه والوقوف عند هذا الحد من جهة. وبعبارة أخرى إن المسلمين غير مأمورين فيها بالاستمرار في القتال إلى أن يسلم الأعداء أي أن يصبحوا مسلمين.
وهذا مؤيد بآيات عديدة وبروايات عديدة معا تتضمن تقرير كون النبي صلّى الله عليه وسلّم