هادن وعاهد بعض المشركين ومنهم العدو المعتدي بدءا الذي أمر بقتالهم. فمن الآيات آية سورة النساء التي أوردناها آنفا. وآية التوبة هذه: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) وهذه: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) ومن حوادث السيرة اليقينية صلح الحديبية بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وقريش الذين كانوا في حالة عداء وحرب.
أما التأويل الأوجه المستلهم من روح الآيات القرآنية لجملة: حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فيما يتبادر لنا هو قتالهم حتى نضمن حرية الدعوة إلى دين الله وحرية المستجيبين إليها، ولجملة فَإِنِ انْتَهَوْا التي تأتي بعد هذه الجملة بخاصة هو انتهاء المشركين من موقف العداء والبغي وإخلائهم بين الناس وحرية الدعوة إلى دين الله وحرية المسلمين.
وقد قيدنا الجملة بالتي وردت في الآية [١٩٣] لأن جملة فَإِنِ انْتَهَوْا في الآية [١٩٢] قد تكون حقا بمعنى (فإن أسلموا) بقرينة جملة فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التي جاءت بعدها. ولسنا نرى في هذا نقضا لقولنا الأول إذا اعتبرنا الآيات جميعها (وحدة) حيث يصح القول إن الآيات أمرت المسلمين بالاستمرار في قتال الذين يقاتلونهم حتى يسلموا أو ينتهوا من موقف البغي والعدوان. ويقوم بينهم وبين المسلمين عهد سلم وسلام. وفي سورة الأنفال آيات فيها نفس الحالتين على ما يتبادر لنا وهي: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) ، وهذه الآيات نزلت بعد وقعة بدر.
واستمرت حالة الحرب قائمة بين المسلمين وكفار قريش الذين عنتهم إلى السنة