فصل تشريعي جديد. ومن المحتمل أن تكون نزلت بعد الآية السابقة فوضعت في ترتيبها أو أنها وضعت في هذا الترتيب للمماثلة الخطابية والتشريعية والآيتان التاليتان لهذه الآية نزلتا على ما يفيده فحواهما وتدعمه الروايات في مناسبة قتال بين بعض المسلمين والمشركين اشتبه أن يكون في الشهر الحرام، وقد رجح الشيخ محمد عبده على ما رواه صاحب تفسير المنار رشيد رضا أن تكون هذه الآية والآيات التالية لها نزلت معا، وهو ترجيح وجيه.
ونص الآية صريح في فرض الجهاد على المسلمين، وإذا كانت جاءت بدون حدود وشروط فإن هذا لا يعني أن على المسلمين القتال بدون حدود وشروط.
فإن هناك آيات عديدة احتوت ذلك، منها ما مرّ ومنها ما سوف يأتي.
وجمهور العلماء على أن الجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض كفى، وهذا وجيه ومنسجم مع آيات عديدة أخرى منها آية سورة النساء هذه: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) وآية سورة التوبة هذه: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) .
ومن تحصيل الحاصل أن يقال إن قيام البعض الذي يكفي يجب أن يكون كافيا لحصول المراد من الجهاد وهو دفع العدوان وإرغام العدو وقهره. فإن لم يكن كذلك فلا يجوز لأحد من المسلمين القادرين على القتال أن يتخلّف بحجة أن هناك من يقاتل، ويقع على المتخلّفين في هذه الحالة إثم التقصير في فرض من فروض الإسلام الرئيسية.
وأسلوب الآية ينطوي على علاج نفساني قوي وتلقينات جليلة في صدد فرض القتال: فالقتال مما تستثقله النفوس عادة ولكنه ضرورة لا مناص منها في