مثل حدوده وشروطه الإسلامية. وفيه الخير العميم من مختلف النواحي. وورود الآية في عهد مبكر من الهجرة- ونرجح أنها نزلت في السنة الهجرية الأولى استلهاما من الآيات التالية لها- تبرز حكمة هذا العلاج حيث كان المسلمون ما يزالون قلّة كما يظهر لنا على ما اقتضته حكمة التنزيل من إيجاب قتال أعدائهم حتى يوقعوا هيبتهم في قلوبهم ويشعروهم بعزمهم على مقابلة عدوانهم عليهم بالمثل.
ولقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الذي يتولى تنظيم القتال وانتداب الناس إليه. وكان هذا شأن خلفائه الراشدين (رضي الله عنهم) حيث يصح القول إن أمر تنظيم القتال وتوقيته واستنفار الناس إليه منوط بولي أمر المسلمين وسلطانهم.
ولقد روى الطبري عن عطاء أن الآية نزلت في أصحاب رسول الله فقط، وهو قول عجيب، والجمهور على أنها للمسلمين عامة. وروى عن ابن عباس أنها نسخت حينما قال المسلمون سَمِعْنا وَأَطَعْنا وهو ما حكي عن لسانهم في آخر هذه السورة. وقد فنّد الطبري هذا القول ونرجح أنه منحول لابن عباس فهو أفقه من أن يقول ذلك.
ويروي رشيد رضا عن بعض المفسرين دون ذكر اسم ومصدر أن جملة:
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ تعني جميع التكاليف التي أمر الله بها، وجملة: وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ تعني جميع ما نهى المسلمون عنه.
وقد فنّد هذا القول قائلا إنه ليس من مسلم صادق يكره تنفيذ ما أمر الله ويحب عمل ما نهى عنه والتفنيد في محلّه. والجملتان بسبيل معالجة نفسية على ما شرحناه آنفا والله أعلم.
ولقد ورد بعد هذه الآية آيات ثم ورد في سور مدنية أخرى آيات أخرى قوية في الحثّ على القتال في سبيل الله وبيان ما للمجاهدين من ثواب ومنزلة وبشارات ربانية لهم في الدنيا بالإضافة إلى الآخرة ثم في التنديد بمن يتباطأ ويتقاعس ويبطىء عن القتال أو يفرّ منه. وفي تقرير كون الجهاد في سبيل الله مقياسا لإيمان المؤمن المخلص مما سوف تأتي نصوصه وشرحه ومداه في مناسباته في هذه