سأل الله أن ينزل في الخمر بيانا شافيا كما روي أن بعض المسلمين جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا له: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل سالبة للمال. وأن السؤال الثاني كان من معاذ بن جبل ورفيق له أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالا: إن لنا أرقاء وأهلين فعلى من ننفق؟ وأن السؤال الثالث كان من جماعة كانوا أوصياء على بعض اليتامى فلما نزل وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
الأنعام:[١٥٢] في سورتي الإسراء والأنعام انطلق كل من عنده يتيم فعزل ماله عن ماله، ثم شق عليهم الأمر فسألوا رسول الله فأنزل الله الآيات. وفي رواية أن هذا كان حينما نزلت آيات سورة النساء [٢- ١١] التي تنهى عن أكل أموال اليتامى وتبديل طيبها بالخبيث وتنذر من يفعل ذلك وتأمر بحفظها ودفعها لهم.
والرواية التي تذكر سؤال عمر فقط هي الواردة في كتب الأحاديث المعتبرة دون غيرها ويلحظ أنها في صدد الخمر مع أن في الآيات مسائل أخرى. وآيات النساء نزلت بعد هذه الآيات، والموضوع ليس محصورا في أموال اليتامى.
وعلى كل حال فالمتبادر أن المسائل المذكورة في الآيات مما كان يسأل عنها المسلمون في العهد النبوي فأنزل الله الآيات لتوضيح الأمور وحدة متكاملة.
هذا، ولقد قال المفسرون في صدد ما ذكرته الآية الأولى من نفع الخمر والميسر أن نفع الخمر هو ما كان يحدثه من نشوة وما كان يعود على صانعيه وأصحاب الثمار التي يصنع منها. وأن نفع الميسر هو ما كان يعود على الرابح من ربح ... وعلى كل حال فإن أسلوب جواب السؤال الأول يدل على ما كان للخمر والميسر من رسوخ وانتشار في بيئة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعصره، وما كان لذلك من تأثير في حياة هذه البيئة اقتصاديا واجتماعيا وأن المتبادر أن الإشارة إلى ما لهما من منافع إنما أتت من ذلك أي أنها تقرير للواقع وليست بقصد الإقرار والتبرير.
والسؤال والجواب عن الخمر والميسر هما خطوة أولى تبعتها خطوات أخرى في التشديد ثم في التحريم في آيات في سورتي النساء والمائدة على ما سوف نشرحه في مناسبتهما.