ولقد انطوى الجواب هنا على استكراه تعاطيهما حيث ذكر إثمهما أولا ووصف بأنه أكبر ثانيا. وشدد في وصفه فذكر أنه أكبر من نفعهما. وهذا مؤيد لما قلناه آنفا من أن ذكر منافعهما هو إقرار للواقع وليس للتبرير. والمتبادر أن اقتصار الجواب على ذلك في الخطوة الأولى إنما كان بسبب ذلك الواقع حيث اقتضت حكمة التنزيل التدرج في التشديد والتحريم حينما صارت حالة الإسلام والمسلمين تتحمل ذلك. وهناك أحاديث عديدة في صدد الخمر والميسر فيها توضيح وأحكام أجّلنا إيرادها والتعليق عليها إلى تفسير آيات سورة المائدة [٩١- ٩٢] لأنها أكثر ملاءمة معها.
وننتقل الآن إلى السؤال الثاني وجوابه فنقول إن هناك أقوالا عديدة يرويها المفسرون عن أهل التأويل في صدده. منها أن السؤال هو في صدد ما يحسن أن يعطيه المسلمون للنبي صلّى الله عليه وسلّم من صدقاتهم وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر فيها كجواب على سؤالهم بأن يأخذ منهم الفضل الزائد أو ما يستطيعون أن يعطوه قليلا كان أو كثيرا.
وفي آية في سورة الأعراف التي سبق تفسيرها جملة تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يأخذ العفو.
ومن الأقوال المروية مع ذلك أن السؤال هو في صدد ما يحسن أن يتصدق به المسلمون بصورة عامة فأمروا بأن يعطوا ما فضل عن حاجتهم في قول، وما لا يكون فيه إجهاد لأموالهم وأنفسهم في قول. واليسير في قول وأطيب ما عندهم وأفضله في قول. وجميع هذه الأقوال واردة والجملة القرآنية تتحملها. وقد صوب الطبري أنها في صدد الأمر الثاني وأن العفو ما كان زائدا عن الحاجة. والتصويب في محله ومتساوق مع السؤال فيما يتبادر لنا. ويكون في الجواب والحالة هذه توجيه ومغزى عظيمان بعيدا المدى إذ يؤمر المسلم بأن يتصدق بما يكون زائدا عن حاجته لمن هم في حاجة من المسلمين أقارب كانوا أم أباعد. وليس بعد هذا شيء أسمى ولا أقوى في إيجاب التكافل بين المسلمين. وهناك أحاديث عديدة في صدد ذلك منها حديث رواه مسلم عن عبد الله بن جرير في موقف جاء النبي جماعة في حالة سيئة من العوز فدعا المسلمين إلى التصدق قائلا:«ليتصدق امرؤ من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع برّه، من صاع تمره، حتى ولو بشقّ تمرة» . وحديث