للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما رجعوا أخبروا قومهم وأخبروا جماعة الأوس أيضا حيث كانوا آنذاك في تهاون فانشرحت صدورهم فلما كانت السنة القابلة جاء وفد خليط من الخزرج والأوس واجتمعوا برسول الله عند هضبة من هضاب مكة الخارجية فآمنوا وبايعوه على الإسلام. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه داعيا وقارئا وإماما. فأخذت دائرة الإسلام تتسع في المدينة. فلما كانت السنة القابلة وهي الثالثة في تاريخ الاتصالات بين النبي والأوس والخزرج جاء وفد كبير مؤلف من نحو سبعين من القبيلتين فاجتمع بهم في المكان الأول «١» وأخذ بيعتهم على الإسلام ورحبوا بهجرته وهجرة أصحابه إلى المدينة وعاهدوه على الدفاع عنه ونصرته واختار منهم اثني عشر رجلا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فسماهم النقباء «٢» .

ورجعوا دعاة للإسلام مع مصعب داعية النبي الأول فاتسعت دائرة الإسلام حتى لم يبق بيت إلّا دخله وقد أشارت آية سورة الحشر إلى ذلك وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ [٩] ومن ثم أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة فأخذوا يهاجرون فردا بعد فرد وفوجا بعد فوج فيلقون الترحاب والرعاية.

ولقد شعر زعماء قريش بالحركة فاستشعروا بخطر عظيم لم يستشعروا به من قبل حيث كانوا يقولون إن النبي لن يلبث أن يموت فينتهي أمره وهو ما أشارت إليه آية سورة الطور أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) وحيث حسبوا أن اتفاق النبي مع أهل المدينة وإسلامهم وهجرته مع أصحابه إليهم سوف يفتح عليهم باب خطر عظيم متعدد الوجهات لأن المدينة كانت طريق تجارتهم وكان الأوس والخزرج أولي حرب وبأس. فرأوا أن يدبروا تدبيرا يدرأ هذا الخطر فاجتمعوا في


(١) يوصف الاجتماع الأول عند الهضبة في تاريخ السيرة بالعقبة الأولى والثاني بالعقبة الثانية، والعقبة بمعنى الهضبة.
(٢) هذه أسماؤهم للتكريم والتخليد: أسعد بن زرارة، عبد الله بن رواحة، رافع بن مالك، البراء بن معرور، عبد الله بن حرام، عبادة بن الصامت، سعد بن عبادة، المنذر بن عمرو، سعد بن الربيع من الخزرج، وأسيد بن خضير، سعد بن خيثمة، رفاعة بن عبد المنذر من الأوس رضوان الله عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>