السواحل. ولقد رصد الكفار جائزة كبيرة لمن يقتله أو يأسره فتصدّى له رجل من بني مدلج اسمه سراقة بن مالك ولكن الله منعه. إذ ساخت أقدام فرسه ورأى من تأييد الله لرسوله ما جعله يوقن أنه ذو شأن عند الله فاستأمن وأعلن مسالمته وأخذ من النبي عهدا له ولقومه. وسمع المسلمون في المدينة بخروجهم فأخذوا ينتظرون من يوم إلى يوم حتى بلغ ضاحية قباء من المدينة فنزل فيها على آل عوف وأنشئوا أول مسجد في الإسلام فيها ولبث بضع ليال ثم سار نحو المدينة. وكان المسلمون مبتهجين فرحين بقدومهم وكل منهم يدعوه للنزول عندهم فطلب منهم أن يدعوا راحلته تسير حتى تبرك في مبرك يشاؤه الله. وقد بركت في مربد ليتامى فاشتراه وهيأه مع أصحابه ليكون له مسجدا وبيتا «١» .
ولقد كان حادث نجاة النبي صلى الله عليه وسلم من مكر الكفار وهجرته إلى المدينة ثاني أعظم أحداث السيرة النبوية وأبركها بعد الحدث الأعظم الأول وهو نزول الوحي على رسول الله بأمر الله وقرآنه. حيث انفتح الأفق الواسع أمام الدعوة الإسلامية وانتشارها وانتصارها. وتحقق قول الله تعالى في آية سورة التوبة وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا [٤٠] .
والروايات في تاريخ بدء الهجرة النبوية ووصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مختلفة وليس هناك أثر وثيق صحيح السند وأشهر الروايات أن خروجه كان في أول شهر ربيع الأول ووصوله في نحو منتصفه، والله تعالى أعلم.
ولقد كان في إقدام المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله على ترك وطنهم وذوي أرحامهم وأموالهم وبيوتهم في سبيل الله تضحية عظمى فكانت موضوع تنويه الله عز وجل في آية سورة الحشر هذه: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ
(١) هذا تلخيص ما رواه المفسرون وكتب السيرة والحديث. انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وغيرهم وسيرة ابن هشام ج ٢، ص ٩٢- ١١٠، وطبقات ابن سعد ج ١، ص ٢١٠- ٢٢٤، والتاج ج ٣ ص ٢٣٥- ٢٤٣ وج ٤، ص ١١٧.