يحسن في حلفائه، وألحّ في الطلب حتى أساء أدبه مع النبي، وقال له فيما قال أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة. ورأى النبي من الحكمة المسايرة فاكتفى بإجلائهم عن المدينة وسمح لهم بحمل ما قدروا عليه من مال وسلاح واستولى على ما بقي لهم في محلتهم من عقار وسلاح ومتاع وأثقال فأخذ خمسه ووزع الباقي على من شهد الحصار معه، وقد جلوا إلى أذرعات «١» .
ويتبادر لنا من فحوى الآيات وروحها وقول النبي صلى الله عليه وسلم إني أخاف بني قينقاع الذي أجمعت الروايات على ذكره ولو لم يرد حديث صحيح فيه أنه كان لبني قينقاع مواقف غدر ونقض عديدة فجاء حادث الامرأة والصائغ لتملأ الكأس وكان التنكيل مباشرة بعده، والله أعلم.
٥- ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون في المعنيين بجملة وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ منها أنهم المنافقون استئناسا بآية سورة التوبة هذه وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [١٠١] ومنها أنهم الفرس. ومنها أنهم كل عدو للمسلمين لم يكن ظاهرا أو معروفا بعدائه، ومنها أنهم الجن. وأوردوا في المقول الأخير حديثا أخرجه ابن أبي حاتم جاء فيه:«إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في قول الله وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ هم الجنّ» ، والحديث لم يرد في الصحاح ونرى التوقف فيه كما نرى الوقوف عند الآية والقول إنها هدفت إلى تنبيه المسلمين إلى ما يمكن أن يكون لهم من أعداء لا يعرفونهم ويعرفهم الله بسبيل التحذير وإيجاب الاستعداد وإعداد ما استطاعوا من قوة لإرهاب أعدائهم المعروفين وغير المعروفين، وقد يكون من جملة هؤلاء الطوائف اليهودية الأخرى التي كانت لم تظهر عداء صريحا ولكنها تبطنه والتي حكت سلسلة سورة البقرة ما كان لها من مواقف جحود ودسّ
(١) هذا تلخيص ما ورد في كتب التفسير والسيرة، انظر كتب التفسير المذكورة وانظر ابن هشام ج ٢، ص ١١٩- ١٢٢ وابن سعد ج ٣ ص ٦٧ و ٦٨.