قتال المشركين كافة إلى أن يسلموا أو بأمر قتال الكتابيين إلى أن يخضعوا ويعطوا الجزية. ونفى بعضهم ومنهم الطبري النسخ وقالوا إن الأمر محكم. وهو الأوجه المتسق مع التقريرات القرآنية التي لا تسوغ القتال لمجرد الشرك والكفر بالرسالة الإسلامية إذا لك يكن من المشرك والكافر عداء وعدوان على ما شرحناه في مناسبات سابقة وما سوف يأتي مزيد من شرحه بعد.
٨- ويلحظ أن الأمر القرآني للمسلمين هو لمقابلة جنوح العدو إلى السلم بالمثل، وليس في هذه الآيات ولا في غيرها تسويغ لأن يكون الجنوح للسلم بدءا من المسلمين. بل في سورة محمد آية تنهى عن ذلك وهي: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) أي لا ينبغي للمسلمين أن يضعفوا أمام عدوهم ويطلبوا منه السلم. فهم الأعلون بإيمانهم وتأييد الله لهم وهو مهم كما جاء في هذه الآيات وآيات عديدة أخرى مثل وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨] وانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
[الروم: ٤٧] وغيرها وغيرها. وفي سورة النساء هذه الآيات المهمة الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) ووَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) .
٩- وجنوح العدو للسلم معناه أنه شعر بضعفه وعجزه أمام المسلمين فرأى أن ينتهي من موقفه العدائي العدواني وفي هذا تحقيق لغاية الجهاد في سبيل الله على ما جاء في آية سورة البقرة هذه وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) فاقتضت حكمة الله أمر المسلمين بالجنوح للسلم إذا جنح لها عدوهم وعزم على الانتهاء من موقفه العدائي العدواني إزاءهم. وقد شرحنا هذه الآية وبينا ما هو مدى انتهاء العدو من موقفه العدائي في سياق تفسير الآية.