التأنيب والتشديد إنما كان بالنسبة إلى ما قبل الفتح المكي حيث كان المتأخرون عن الهجرة قد رضوا بالبقاء في دار الكفر والظلم ولم يلتحق القادر منهم بإخوانهم ويضحوا مثلهم ليتضامنوا في موقف النضال القائم بينهم وبين الكفار.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن الخطيب الأسلمي جاء فيه فيما جاء في صدد الجهاد والدعوة من وصية النبي التي كان يوصي بها قواد سراياه ودعاته:«فإن أجابوك إلى الإسلام فاقبل منهم وكفّ عنهم ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم إن فعلوا ذلك أنّ لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم فإن أبوا واختاروا دارهم فاعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري عليهم ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين» . والحديث من مرويات مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي أيضا بفروق يسيرة «١» . والراجح أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة فيكون بينه وبين الحديث السابق وبين الآيتين تساوق كما هو واضح.
ومع ذلك فإن في الآية الأولى تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم بقاء المسلم في دار الظلم والبغي راضخا لحكم الظالمين البغاة وبوجوب هجرته إذا استطاع إلى حيث يكون له إخوان يقاسمهم السرّاء والضرّاء ويتضامن معهم على هدم البغي والظلم وإرغام البغاة والظالمين.
وفي الآية تلقين جليل آخر. وهو وجوب احترام المسلمين لعهودهم حتى ولو كانت حائلة أحيانا دون نصر مسلمين آخرين في بقعة أخرى. ولقد تكرر حثّ القرآن على الوفاء بالعهد بحيث يكون هذا مبدأ محكما من مبادئ القرآن. وننبّه