وإمامهم. وقد أنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مسجدهم وسمح لهم بالصلاة فيه نحو المشرق. وقد ناظروه وجادلوه في أمر عيسى وألوهيته وبنوّته وتلا عليهم ما ورد في القرآن عنه ودعاهم إلى الرجوع عما في عقيدتهم فيه من انحراف، فماروا وكابروا فعرض عليهم المباهلة والملاعنة حيث يدعو كل فريق من الفريقين أن يلعن الله الكاذب فيهم. فاستمهلوه إلى الغد وتشاوروا فيما بينهم فقال لهم عبد المسيح لقد عرفتم والله أن محمدا لنبي مرسل. ولقد علمتم أنه لم يلاعن قوم نبيا قط إلّا استأصلهم الله فإن كنتم أبيتم إلّا إلف دينكم فوادعوا الرجل ولا تلاعنوه.
فغدوا على رسول الله وقالوا له قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا. وسألوه ألست تقول إن عيسى كلمة الله وروح منه قال بلى.
قالوا حسبنا هذا منك. وطلبوا منه حسب رواية ابن هشام أن يرسل معهم شخصا من أصحابه يقضي في خلاف ناشب بين بعضهم على حقوق وأرضين فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وطلبوا منه حسب رواية ابن سعد وأبي يوسف أن يكتب لهم كتاب أمان وعهد فكتب لهم كتابا أعطاهم فيه عهده وذمته وأمنهم على أنفسهم وحالتهم وعباداتهم ما لم يظلموا ويتعاملوا بالربا وفرض عليهم جزية سنوية. ومما رواه ابن هشام أن أبا حارثة اعترف لأخ له اسمه كرز بصدق نبوة محمد فقال له وما يمنعك منه وأنت تعلم هذا فقال: ما صنع قومنا لنا شرفونا وأكرمونا ومولونا وأبوا إلّا مخالفته. وهناك رواية طويلة جدا أوردها ابن كثير عن البيهقي تفيد أن قدوم وفد نجران على النبي كان قبل نزول سورة النمل. وبناء على رسالة أرسلها النبي إلى نصارى نجران. وأن الوفد كان مؤلفا من ثلاثة فناظروه ثم أبوا التلاعن معه وطلبوا موادعته وأخذوا منه عهدا وفرض عليهم جزية إلخ مما ذكرته الروايات الأخرى.
وليس شيء من أخبار وفد نجران واردا في كتب الصحاح. غير أن هذا لا يمنع أن فيما جاء في الروايات حقائق صحيحة. وقد اتفق على روايتها كتّاب السيرة والمفسرون القدماء ولا سيما الإمامان أبو يوسف وأبو عبيد باستثناء رواية البيهقي التي تبدو شاذة عن الروايات الأخرى ومتناقضة وغير متسقة مع الوقائع والحقائق