من حيث إن سورة النمل مكية ونزلت في عهد مبكر من العهد المكي وأن ما ورد فيها لا يمكن أن يكون إلّا في المدينة وفي حالة كان النبي صلى الله عليه وسلم في قوة وسلطان.
وفي بعض آيات السلسلة ما يؤيد بعض ما جاء في الروايات كما أن في سور أخرى آيات تؤيد ما كان من مماراة الكتابيين ومكابرتهم في أمر النبي والقرآن وهم يعرفون أنه الحق والصدق مما مرّ بعضه في سورة البقرة ومما سوف يأتي شيء منه في هذه السورة وغيرها بعدها. وفي سورة التوبة آية صريحة تذكر ما كان من صدّ كثير من الأحبار والرهبان عن سبيل الله وأكلهم أموال الناس بالباطل وبمعنى آخر حرصهم على مناصبهم وما تدرّه عليهم من منافع وهي الآية [٣٤] .
وإذا كان من شيء يحسن استدراكه فهو ما نبهنا عليه ورجحناه في مقدمة السورة من أن نصارى نجران أرسلوا وفدا مرتين مرة قبل فتح مكة بعد وقعة بدر حيث ناظروا النبي وامتنعوا عن الاستجابة إلى التلاعن معه ووادعوه على ما جاء في رواية ابن هشام ومرة بعد فتح مكة حيث أخذوا منه عهدا بذمته وفرض عليهم فيه الجزية. والله تعالى أعلم.
وإتماما للفائدة وكنموذج لكتب عهد النبي صلى الله عليه وسلم للوافدين عليه وما فيها من مظاهر الحق والعدل والتسامح والتشريع السياسي نورد في ما يلي نص العهد نقلا عن كتاب الخراج للإمام أبي يوسف: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما كتب محمد النبي رسول الله لأهل نجران إذ كان عليهم حكمه في كل ثمرة وفي كل صفراء وبيضاء ورقيق فأفضل ذلك عليهم وترك ذلك كله لهم. على ألفي حلة من حلل الأواقي في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر ألف حلة مع كل حلّة أوقية من الفضة فما زادت على الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاز أو عرض أخذ منهم بالحساب. وعلى نجران مؤونة رسلي ومنعتهم ما بين عشرين يوما فما دون ذلك. ولا تحبس رسلي فوق شهر. وعليهم عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إذا كان كيد باليمن ومعرة وما هلك مما أعاروه رسلي من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض فهو ضمن على رسلي حتى