ورابعا: وقد يبدو ما جاء في الآية [٣٣] مشكلة أيضا بما احتوتاه من تقرير رباني مباشر باصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. وآل عمران هم أسرة مريم. وكذلك في الآية [٤٢] التي قررت أن الله اصطفى مريم على نساء العالمين. والمتبادر أن العبارة أسلوبية. وقد هدفت إلى التنويه بفضل المذكورين ومنزلتهم أو أفضليتهم على غيرهم في عصرهم بما امتازوا به من خصائص وفضائل صاروا بسببها من أصفياء الله. وقد يكون اصطفاء آل عمران ومريم متصلا بخاصة بمعجزة ولادة المسيح التي لم يكن لها مثيل وبما كان من تكريمه ورفعه.
وخامسا: وقد يثير ذكر آدم إشكالا من ناحية كون القرآن يقرر أنه أول إنسان خلقه الله في حين أن مفهوم الاصطفاء يفرض وجود آخرين معه يصطفي الله منهم من يصطفيه مما قد ينطبق على نوح وإبراهيم وآل عمران ومريم دون آدم. والمتبادر أن العبارة بالنسبة لآدم هي أيضا أسلوبية لا إشكال حقيقيا فيها من حيث إنه أبو جميع الذين اصطفاهم الله. ويمكن أن يقال مع ذلك إن ذكر اصطفائه متصل بما كان من اختصاصه بالذكر في خلق الله له ونفخه فيه من روحه والإيذان بأنه جاعله خليفة في الأرض وتعليمه الأسماء وأمر الله الملائكة بالسجود له مما ذكرته آيات القرآن أو بما كان من اختصاصه بالمميزات التي اختص بها جنسه الإنساني دون غيره من مخلوقات الله الأخرى وبخاصة الحيوانات التي بينها وبين هذا الجنس تشارك في كثير من الصفات حتى صار خلقا آخر كما جاء في الآية [١٤] من سورة المؤمنون. وكلام المفسرين في هذه الأمور متطابق كذلك بالنتيجة مع هذه التقريرات. ولقد قال بعضهم إن الاصطفاء لآل إبراهيم وآل عمران هو بالنسبة للمؤمنين منهم. وهذا وجيه. وقال بعضهم إن النبي والعرب يدخلون في ذكر آل إبراهيم تكذيبا لليهود الذين كانوا يقولون إنهم شعب الله المختار من حيث إن إبراهيم ليس فقط جد بني إسرائيل الذين ينتسبون إلى يعقوب وإسحق أبي يعقوب الذي هو ابن إبراهيم بل هو أيضا أبا لإسماعيل الذي ينتسب إليه العرب وأبا لأولاد آخرين ولدوا له من زوجته قطوره على ما جاء في الإصحاح (٢٥) من سفر التكوين.