وهاجت وغلبت عاطفة الحسرة والندم والتذمر لو كان فظا غليظ القلب حيث كان من الممكن أن ينفضوا من حوله. وأمرا بما هو أكثر من ذلك وهو العفو عنهم واستغفار الله لهم ومشاورتهم في الأمر.
وتتجلّى في الفقرة الأولى صورة رائعة للخلق النبوي الكريم من لين وعدم فظاظة وقسوة قلب مما كان متحليا به من قبل وكان من دون ريب من أسباب اصطفاء الله له للرسالة العظمى واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سورة الأنعام [١٢٤] والذي انطوى في التقرير التنويهي في جملة وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ سورة القلم [٤] مما علّقنا عليه في سياق تفسير السورتين تعليقا يغني عن التكرار.
وينطوي في الآية علاج قوي محبب وشاف لثورة النفوس وهياج الأفكار وغلبة العواطف مما كان من آثار يوم أحد. ومما لا شك فيه أن هذا العلاج قد آتى نفعه فهدّأ النفوس والأفكار وطمأنها بالنسبة للموقف الحاضر والمواقف المستقبلة معا.
والآية كما قلنا قبل تنطوي على دلالة على أن المتذمرين الذين قالوا هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ولَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا على ما حكته الآية [١٥٤] كانوا من المخلصين وليسوا من المنافقين كما هو واضح من روحها ومضمونها وتلقينها.
ومع خصوصية الآية الموضوعية والزمنية فإن فيها تلقينا جليلا مستمر المدى. فالذي يختار لرئاسة المسلمين وكل زعيم وحاكم فيهم يجب أن يكونوا متصفين باللين والرقة. بعيدين عن الجفاء والغلظة والقسوة. مدركين لمقتضيات المواقف. واسعي الصدر والحلم إزاء استفزاز المستفزين عن جهل أو خبث طوية ولا سيما في الظروف الحرجة والأزمات العصيبة. وعليهم فوق ذلك أن لا يستبدوا بالرأي والعزائم بل يشاوروا أهل العلم والرأي والمكانة والخبرة والعقول الراجحة قبل أن يضطلعوا بمسؤولية السير فيما يعتزمون أن يسيروا فيه. وأن لا يسيروا إلّا بعد نضوج الرأي وتبين أصحّ الوجوه وأصلحها وأكثرها اتساقا مع الظروف القائمة