ومصلحة المسلمين العامة. وكل مخالفة أو إهمال لأي من ذلك هو مخالفة وإهمال للتلقين الذي انطوى في الآية.
وروح الآيات ومضمونها يحددان أولا واجب كل من الرئيس أو الزعيم أو الحاكم أو المستشار. فللمستشار أن يبدي رأيه، وللرئيس والزعيم والحاكم أن يضطلعوا بمسؤولية اختيار أصحّ الآراء وأفضلها وبمسؤولية المبادرة والتنفيذ.
ويوجبان ثانيا على الرئيس والزعيم والحاكم الاستشارة في كل أمر وعزيمة.
ويوجبان ثالثا التوسع في الاستشارة بحيث لا يهمل أي فريق من الجماعات التي يتألف منها المجتمع الإسلامي. ويلهمان رابعا إقرار حقّ الاعتراض لأصحاب الشأن والرأي والعلم إذا ما رأوا ما يوجب ذلك من خطط وعزائم. ويوجبان خامسا على أولياء الأمور توسيع صدورهم لذلك والنظر فيه بتروّ بقصد تبيّن الحق والمصلحة.
وفي كل هذا قواعد صريحة ورائعة للحكم في الإسلام كما هو واضح.
وجملة فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ تفيد أن الحكم في الإسلام يشبه ما يسمى اليوم بالنظام الرأسي الذي يكون فيه رئيس الدولة صاحب السلطة التنفيذية الذي يجب عليه أن يستشير أصحاب الشأن والعلم من مختلف الفئات ثم يضطلع بمسؤولية اختيار أصحّ الآراء وأفضلها وبمسؤولية المبادرة والتنفيذ. ولقد تركت الآية أسلوب المشاورة بدون تعيين وتحديد. ويتبادر لنا من حكمة ذلك والله أعلم أن كون هذا الأمر مما لا يمكن تحديده لأن ظروف الاجتماع عرضة للتطور والتبديل فينبغي تركه للظروف والأحوال. وهذا هو أسلوب القرآن الذي جعل للشريعة الإسلامية صلاحية الخلود والإلهام في كل زمن ومكان.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن القرآن المكي قد نوّه بالشورى وجعلها من خصائص المسلمين الصالحين كما جاء في آية سورة الشورى هذه: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) فلما صار للإسلام سلطان نافذ في شخص النبي صلى الله عليه وسلم أكّد القرآن هذا المبدأ بأسلوب الإيجاب