للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتنفيذ حين اقتضت حكمة التنزيل والمناسبة.

ولعل من الحق أن يقال إن تشريع إيجاب استشارة أهل الرأي والمكانة والعلم من مختلف الجماعات على الرؤساء والزعماء والحكام بالأسلوب الذي جاء به في القرآن من خصائص ما انفردت به الشريعة الإسلامية ومن جملة مرشحاتها للخلود والعموم.

ولقد قال المفسرون «١» عزوا إلى بعض التابعين وتابعي تابعين أن المشاورة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها هي فيما ليس فيه نصوص قرآنية ووحي رباني وفيما ليس له علاقة بالمبادىء الدينية والشرعية الأساسية. وهذا قول وجيه واجب التسليم به من دون ريب. وإذا صح هذا في حقّ النبي فإنه يكون من باب أولى بالنسبة لمن يخلفه في رئاسة المسلمين. وهذا متسق مع القاعدة العامة التي تقول (لا اجتهاد مع النصّ) . غير أنه يلاحظ أن كثيرا مما ورد في القرآن من تعاليم ومبادئ في شؤون السياسة والحكم والجهاد والمال والقضاء والاجتماع قد ورد على الأكثر كخطوط وأسس عامة. وقلّما جاء محدود الأشكال والجزئيات. وقد ترك أسلوب تنظيمها وتنفيذها على ما هو المتبادر إلى ظروف المسلمين وأحوالهم مما بينّا حكمته أكثر من مرة. فمن المعقول أن تكون هذه محلّا للتشاور والاجتهاد ضمن الخطوط والحدود الأساسية القرآنية. ونضيف إلى هذا أن ما ورد في تحديده وتنظيمه سنّة نبوية ثابتة وصريحة هو واجب الاتباع وليس محلّا للاجتهاد. وقد أمر الله المسلمين بأن يأخذوا ما آتاهم الرسول وينتهوا عمّا نهاهم في آية سورة الحشر [٧] . كما أمرهم بإطاعة الرسول مثل إطاعتهم لله وردّ الأمر إليه وإلى سنّته بعد الله وقرآنه في آيات عديدة مثل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ النساء [٥٩] .

ولقد روى ابن كثير عن ابن عباس أن المقصود في جملة وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أبو بكر وعمر. وهذا غريب مناقض لروح الآية وفحواها وسياقها وظروف


(١) انظر تفسير الطبري والطبرسي والخازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>