للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزولها على ما شرحناه قبل، بل إن ذلك ينطوي على مشاورة الذين تذمروا وقالوا ما لا ينبغي أن يقال نتيجة لهيجان أفكارهم ومرارتهم وحسرتهم، وهذا يعني أن المشاورة يجب أن تكون مع ذوي الرأي والشأن والعلم والخبرة من مختلف طبقات الناس كما قلنا قبل.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا أخرجه ابن مردوديه عن علي بن أبي طالب قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتّباعهم» .

ولم يرد هذا الحديث في الصحاح. فإن صحّ ولا مانع من صحته فيكون الاتّباع لما يكون عليه رأي أكثرهم واختيار الأصلح من الآراء والأخذ به. وجواب رسول الله يفيد أن الأخذ بالرأي الذي يتفق عليه أكثر المستشارين أمر واجب. ويتبادر لنا أن هذا منطو في صيغة الآية والله تعالى أعلم.

ولقد أورد المفسر المذكور حديثا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غنيم قال: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر لو اجتمعتما في مشورة لما خالفتكما» . والحديث لم يرد في الصحاح فإذا صحّ ولا مانع من صحته فيكون فيه تلقين بوجوب الأخذ بآراء المخلصين الموثوقين من ذوي العقل والرأي. وهناك أحاديث وردت في الصحاح يمكن أن تؤيد معنى الحديث. منها حديث رواه الترمذي عن عبد الله بن حنطب قال: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال هذان السمع والبصر» «١» . وحديث رواه الترمذي أيضا عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبيّ إلّا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض. فأما وزيراي من أهل السماء فهما جبريل وميكائيل وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر» «٢» .

ولقد روى البغوي بسنده عن عائشة أنها قالت: «ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم» وفي هذا الحديث إن صحّ ولا مانع من صحته سير


(١) التاج، ج ٣ ص ٣١٦- ٣١٧.
(٢) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>