حدثني فقلت: حدثني الحكم بن عيينة عن يحيى بن الخراز قال سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا قال فحدثني أربعين حديثا» . وفي هذا تساوق مع ما قررناه من المتبادر من الجملة. وفيه تفسير لجملة أُوتُوا الْكِتابَ بمعنى (أوتوا العلم) أيضا وهو تفسير سديد مؤيد بما جاء في القرآن من ترادف بين الكلمتين في آيات كثيرة منها ما ورد في سور سبق تفسيرها. ويسوغ القول إن الذين أوتوا العلم إطلاقا مخاطبون بما في الآيات من تلقينات إيجابية وسلبية. ويكون فيها والحالة هذه تلقينات متصلة بآداب العلم والعلماء وواجباتهم وسلوكهم شخصيا واجتماعيا وخلقيا وعلميا والله أعلم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات بعض أحاديث نبوية فيها ما يفيد أن هذا المفسر قد أخذ بذلك التفسير واعتبر ما في الآيات تلقينات شاملة للعلماء وآدابهم وواجباتهم وسلوكهم وهو متسق مع ما قلناه آنفا. من ذلك حديث قال إنه مروي بطرق عديدة. وقد رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة بهذا النصّ:«من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة»«١» .
ولقد تطرق رشيد رضا في سياق تفسير الآية [١٨٧] إلى تزلف العلماء لأصحاب السلطان ومداهنتهم لهم. وما في ذلك من تورّط في الارتكاس في ما نصّت عليه الآية. وأورد بعض الأحاديث منها حديث عن أنس نعته بالمشهور.
وقال رواه العقيلي في المصنف والحسن بن سفيان في مسنده وأبو نعيم في الحلية وقال السيوطي إن له شواهد فوق الأربعين والراجح أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء فيه:
(١) التاج ج ١ ص ٥٨، ونورد في هذه المناسبة حديثين في الصحاح روى أحدهما الشيخان عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليبلغ الشاهد الغائب فإنّ الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه» . وروى ثانيهما الترمذي وأبو داود عن ابن مسعود جاء فيه: «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم نضّر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فربّ مبلغ أوعى من سامع، وفي رواية نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فحفظه حتى يبلغه فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه وربّ حامل فقه ليس بفقيه» . التاج ج ١ ص ٥٩ و ٦٠.