وقد يلحظ أن الآية الأولى احتوت أوصاف ثلاث فئات. ولقد ذكر المنافقون ومرضى القلوب في آيات عديدة منها ما جاء في السور التي سبق تفسيرها وشرحنا مدى أمرهم. والمرجفون يأتي ذكرهم هنا لأول مرة. والراجح أنهم الذين يبثون شوائع السوء وروح الهزيمة ويثبطون الهمم وهذا مما قاله المؤولون على ما ذكرناه آنفا.
والإنذار والتنديد الشديدان في الآية موجهان إلى الفئات الثلاث على السواء حيث يتبادر من هذا أنها تصدر عن موقف واحد هو عدم الإخلاص في الإيمان بالله ورسوله والوقوف عند أوامرهما ونواهيهما وأن التعدد آت من كون كل منها كانت تتميز بعمل من أعمال الضرر والشرّ والأذى فيكون ديدن واحدة هو الإرجاف وواحدة هو الاستهتار بالقيم والأعراض وواحدة هو الرياء والخداع والوقوف من النبي والإسلام والمسلمين موقف التربّص. والله تعالى أعلم.
ولم نطلع على روايات وثيقة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طرد هذه الفئات من المدينة وأهدر دمها، بل هناك آيات كثيرة في سور عديدة يجيء ترتيبها بعد هذه السورة تدل على أن النبي قد وسّع صدره وحلمه لهم مع ما تكررت حكاية القرآن عنهم من مواقف الدسّ والتشكيك والتعطيل والتثبيط وإشاعة الفاحشة والقلق والخوف بين المسلمين في مختلف الظروف بل مع ما ذكرته إحدى آيات التوبة من أنهم قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إيمانهم [٧٤] ومع ما أمرته إحدى آيات هذه السورة وإحدى آيات سورة التحريم من مجاهدتهم والإغلاظ عليهم هم والكفار سواء: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ التوبة [٧٣] ، والتحريم [٩] وأنه ظلّ على هذه الخطة إلى آخر حياته.
وأن باب التوبة ظلّ مفتوحا لهم في جميع الظروف كما جاء في السور المدنية التي نزلت بعد هذه السورة مضافا إليها ما جاء في السور المدنية السابقة لهذه السورة معا. فمن المحتمل والحالة هذه أن الآيات قد أثرت التأثير المطلوب في أفراد هذه الفئات في الصدد والظروف التي نزلت فيها فلزموا حدودهم وكفوا أذاهم وكفي