المؤمنون شرّهم بوجه الإجمال. كما أن من الممكن أن يقال إن النبي قد ألهم سعة الصدر لهم والحلم عليهم لما كان بينهم وبين كثير من المخلصين من روابط رحم وقربى ولم يعتبرهم أعداء محاربين كالكفار ولا سيما أنهم كانوا يتظاهرون بالإسلام ويقومون بفرائضه التعبدية والمالية ويشتركون في الجهاد ويحلفون الأيمان على إخلاصهم وصدق إسلامهم على ما حكته آيات عديدة في سور عديدة بعد هذه السورة. وإنهم أخذوا بعد التنكيل باليهود يتضاءلون عددا وقوة. وتضيق دائرة عدواهم وشرّهم ومكائدهم. وإن النبي اعتبر هذه الآية وأمثالها بمثابة توجيهات متروك إليه أمر تقدير ظروف تنفيذها والسير فيها بما يوافق مصلحة الإسلام والمسلمين.
ومع خصوصية الآيات الزمنية والموضوعية فالذي يتبادر لنا أن حكمها عام شامل ومستمر، وموكول لأولي الأمر في المسلمين. حيث توجب عليهم سلوك سبيل الشدة في القمع والتنكيل مع من لم يرتدع عن موقف الأذى والدسّ والإرجاف لسلامة المجتمع وطمأنينته.
ولقد يرد على هذا أن وصف المنافقين ومرضى القلوب والمرجفين في المدينة هو وصف متصل بالعهد النبوي. غير أن الذي ينعم النظر في حالة المجتمعات في أي ظرف ومكان يجد بدون ريب هذه الفئات فيها وإن تنوعت صورها حيث تتمثل في الذين يتخذون الطغاة والظالمين والأعداء أولياء يبتغون عندهم العزة ويساعدونهم على إذلال أمتهم واستعبادها ويخونون مصالح بلادهم وأمنها بسبيل منافعهم أو أحقادهم أو الاثنتين معا. وتتمثل كذلك في الذين يشيعون الفاحشة بين الناس ويثيرون فيهم الشكوك والهواجس والفزع في أوقات الأزمات ويستهترون بالقيم الأخلاقية والإنسانية والروحية والاجتماعية والأسروية الصالحة المستحبة بسبيل نزواتهم وأهوائهم. ويقصرون في واجبات الإخلاص والتضامن والتعاون والتضحية المتنوعة، ولا يبالون بما يقع على أمتهم من مصائب ومظالم وبغي ونكبات ولا يهتمون إلّا لمصالحهم الخاصة. حيث يبدو من هذا مدى الإعجاز القرآني في وصف ومعالجة حالات تقع في كل ظرف ومكان وفي شمول