للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ما قلناه فيما تلهمه جملة بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فإنه ينطوي فيها تلقين قرآني جليل مستمر المدى في صدد الأخوة والمساواة في الإسلام وشمولهما لكل المسلمين الأحرار منهم والأرقاء على السواء.

وقد استدللنا من جملة فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ على أن الآية قد نزلت بعد آيات سورة النور الأولى التي حددت عقوبة الزاني والزانية بمائة جلدة. وهذا يعني أن عقوبة الأمة المتزوجة خمسون جلدة. ولما كان هناك أحاديث شددت فيها عقوبة الزنا فغدت على غير المتزوجين مائة جلدة وتغريب سنة وعلى المتزوجين مائة جلدة ورجم بالحجارة حتى الموت «١» فقد قال المفسرون والفقهاء إن عقوبة الأمة المتزوجة تظل خمسين جلدة وتغريب نصف عام لأن عقوبة الرجم لا تنصف «٢» ووجاهة هذا القول ظاهرة.

وننبه على أن هناك من قال إنه لا تغريب على الأمة الزانية ولو كانت محصنه.

والقياس يقضي أن يكون القول الأول هو الأوجه.

ونصّ الآية يفيد أن إحصان الأمة هو حالة تزوجها بعقد ومهر. وقد يرد سؤال عما إذا كانت الأمة المستفرشة من مالكها تعد محصنة أم لا. ويتبادر لنا أنها تعد كذلك. لأن الحكمة من تشديد العقوبة على المحصنين هي كون رغباتهم الجنسية متوفرة بالزواج أو بالاستفراش. والله تعالى أعلم.

وواضح من نص الآية أن نصف العذاب هو على الأمة التي أحصنت.

أما عقوبة الأمة غير المحصنة فهناك حديث يرويه ابن كثير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس على أمة حدّ حتى تحصن» وروى ابن كثير أن ابن عباس كان يأخذ بهذا ويفتي بضرب الأمة إذا زنت ولم تكن محصنة ضربا تأديبيا دون حدّ معين من الجلدات. والحديث ليس من الصحاح. وهناك حديث رواه مسلم عن علي بن أبي طالب «أنه خطب يوما فقال أيها الناس أقيموا الحدّ على إمائكم من أحصن منهن ومن لم يحصن. فإن أمة لرسول الله زنت فأمرني أن أجلدها فإذا


(١) سوف نورد هذه الأحاديث ونمحص المسألة في سياق تفسير سورة النور إن شاء الله.
(٢) انظر تفسير الآية في الطبري وابن كثير وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>