للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإرث التي عينها الله تعالى في آيات المواريث للرجال والنساء فإن فيها تلقينا عاما يجدر التنويه به. وهو عدم طمع الناس فيما عند غيرهم مما هو من كسبهم وجهدهم وحقهم الشرعي. مع التنبيه على أن هذا لا يعني عدم التمني بأن يكون لهم مثل ذلك أو عدم الجهد في الحصول عليه من طرقه الشرعية السائغة بل إن الفقرة الأخيرة من الآية تتضمن حثا على ذلك.

وجملة لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ في الآية الأولى تأتي للمرة الثانية. وقد جاءت قبل في آية سورة البقرة [١٨٨] وشرحنا مداها بما يغني عن التكرار إلّا أن نقول إن تكرارها يفيد أن حكمة التنزيل قد توخت التوكيد على وجوب قيام التعامل بين المسلمين وبخاصة في الشؤون المالية على الحق والإنصاف واجتناب كل جنف وحيلة ووسيلة باطلة. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل.

ولقد وقف المفسرون «١» عند جملة إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وهذا لم يرد في آية سورة البقرة. وقد رووا عن أهل التأويل أن التراضي الذي يجب أخذ المسلمين أموال بعضهم به في التجارة هو منح الخيار للبائع والشاري في النقض والإمضاء بعد عقد الصفقة حتى لا يبقى في نفس أي من البائع والشاري أي شيء. وروى الطبري في صدد ذلك حديثا عن مهران بن ميمون جاء فيه «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة ولا يحل لمسلم أن يغشّ مسلما» وحديثا آخر عن أبي قلابة قال «قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يفترقن بيعان إلّا عن رضا» وحديثا آخر عن ابن عباس جاء فيه «إن النبي صلى الله عليه وسلم بايع رجلا ثم قال له اختر فقال اخترت. فقال هكذا البيع» .

وهذه الأحاديث لم ترد في الصحاح. وهذا لا يمنع صحتها، إن لم تكن نصا فروحا. وهناك أحاديث وردت في الصحاح من بابها. منها حديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر جاء فيه «إنّ رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال إذا


(١) انظر كتب تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والخازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>