ومما لا ريب فيه أن هذه الجريمة داخلة في جملة الكبائر المنهي عنها التي نبهت الآية الثالثة من الآيات على وجوب تجنبها ووعدت من يتجنبها بالمدخل الكريم.
وبعض المفسرين أوّلوا المدخل الكريم بالجنة. ومع وجاهة هذا التأويل فإن إطلاق الجملة القرآنية يسوغ القول باحتمال أن يكون ذلك في الحياة أيضا. ولقد وعد المتقون بالحياة الحسنة في الدنيا بالإضافة إلى ما هو أحسن في الآخرة كما جاء في آية سورة النحل هذه وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)«١» .
ولا شك في أن اجتناب الكبائر يضمن للمسلم حياة كريمة مطمئنة في الدنيا بالإضافة إلى ما يضمنه من نعيم ورضوان في الآخرة.
ومع أن المتبادر أن جملة إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ راجعة إلى ما ذكرته الآية الأولى من الآيات لأنها متصلة بها مباشرة فإن الطبري روى عن عبد الله بن مسعود وغيره أن ذلك يشمل كل ما ورد من المنهيات في جميع الآيات من أول السورة. ومع ذلك فإن جمهور المفسرين أخذوها على إطلاقها أيضا واعتبروها شاملة على الحثّ على اجتناب كل ما نهى الله ورسوله عنه من كبائر.
وليس في هذا بعد عن مفهوم الجملة ظاهر فيما نرى.
ولقد أورد المفسرون أحاديث نبوية عديدة فيها بيان كبائر الذنوب وموبقاتها.
ولقد أوردنا طائفة من هذه الأحاديث في سياق تفسير الآية [٣١] من سورة النجم فنكتفي بهذا التنبيه. مع تكرار القول إن ما جاء في الأحاديث ليس على سبيل الحصر وإن في القرآن كبائر لم تذكر بأعيانها بهذا الوصف في الأحاديث مثل الكذب والميسر والظلم والنفاق والفساد في الأرض إلخ.
ولقد أولنا كلمة سَيِّئاتِكُمْ في الجملة التي جاءت بعد الجملة السابق
(١) هناك آيات أخرى من هذا الباب مثل آيتي النحل [٤١ و ٩٧] والنور [٥٤] مثلا.