بالأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا يتوضؤون للصلاة منذ بدء الإسلام في مكة. وفي الآية نواقض للوضوء وإيجاب التيمم في حالة حدوثها وهي التبرز والتبول اللذان عبر عنهما بجملة أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ وهذا يعني أن الوضوء للصلاة كان أمرا جاريا ممارسا فاقتضت الحكمة ذكر بديله إذا تعذر الماء أو تعذر استعماله. أما الأمر به في سورة المائدة فهو على ما يتبادر للتذكر والتوكيد على ما سوف نشرحه في مناسبتها.
سابعا: في جملة ما جعلته الآية سببا للتيمم إذا فقد الماء لامَسْتُمُ النِّساءَ.
وقد اختلفت أقوال المؤولين في مدى الجملة. فمنهم من أوّلها بمعنى مسّ الرجل لبشرة المرأة أو تقبيلها وعلى مذهب هؤلاء فإن هذا العمل يكون ناقضا للوضوء أيضا بنص قرآني. ومن هؤلاء من قال النقض بالمسّ أو القبلة بشهوة. ومنهم من قيّد بالمرأة الأجنبية دون المحارم. وقد أوّلها آخرون بمعنى الجماع. وليس هناك فيما اطلعنا عليه حديث نبويّ صحيح في ذلك.
والملامسة قد ذكرت في آية أخرى في سورة المائدة في نفس الصيغة والمقام اللذين ذكرت فيهما الملامسة في آية النساء التي نحن في صددها. ولقد ورد في القرآن الكريم آيات عديدة غير الجماع فيها بكلمة «المس» لا «الملامسة» من ذلك آية سورة البقرة هذه لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) . ومنها آية سورة الأحزاب هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (٤٩) وفي آية سورة آل عمران هذه الآية: قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [٤٧] ، ومنها آية [٢٠] في سورة مريم قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا وفي سورة المجادلة هذه الآية وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [٣] .