أوردت في سياق آيات الزمر [٥٤- ٥٩] وقد فنّدناها ونبهنا على عدم اتساقها مع روح الآية وظروفها.
والذي يتبادر لنا ويلهمه أسلوب الآيات ونظمها وانسجامها أنها سلسلة تامة نزلت فصلا واحدا في حق اليهود. وهذا لا يمنع أن يكون قد بدر من اليهود بوادر عديدة في مناسبات مختلفة مما روته الروايات وما لم تروه. فجاءت الآيات تنعى عليهم وتندد بهم وتفضحهم وتنذرهم في سياق مناسبة من المناسبات لا نستطيع أن نعينها بجزم وإن كنا نظن أنها مناسبة ذهاب وفد اليهود إلى مكة لتحريض القرشيين على النبي والمسلمين وما فعلوه في مكة وما قالوه لقريش على ما ذكرته الروايات، وفيه اتساق لمضمون الآية [٥١] وهي أشد المناسبات استدعاء للحملة عليهم والتنديد بهم وإنذارهم بهذا الأسلوب القارع الذي جاء في الآيات. وقد يبدو لأول وهلة أن الآية [٤٨] لا صلة لها باليهود. غير أن المناسبة المذكورة تجعل صلتها بهم قائمة بل شديدة. فقد أعلنوا أيمانهم بالأصنام وحلفوا عندها وتبركوا بها أو سجدوا لها وقالوا لقريش المشركين إنهم أهدى من محمد وهو الداعي إلى وحدة الله ومكارم الأخلاق. فجاءت الآية لتعظم جريمة الشرك ولتشير إلى هذا الموقف الشركي البشع ولتقول إن الله وإن كان غفورا يغفر كل ذنب فهو لا يمكن أن يغفر ذنب الشرك به.
وننبه على أن في هذه السورة آية أخرى قريبة للآية [٤٨] وهي الآية [١١٦] غير أن هذه جاءت في سياق آخر ومدى آخر متصلين بالشرك العربي فكان أن اقتضت حكمة التنزيل التكرار. وبينما وصف مشركو العرب في الآية [١١٦] بأنهم ضلوا ضلالا بعيدا وصف اليهود في الآية [٤٨] بأنهم افتروا إثما عظيما فتناسق الوصف مع كل من الفريقين.
وجملة انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بعد التنديد بالذين يزكون أنفسهم بدون تعيين هويتهم تعيين هذه الهوية وكونهم اليهود. لأنهم كانوا يقولون نحن أحباء الله وأبناؤه وشعبه المختار الذين يرعاهم وهو ربّ