إسرائيل «١» فكذبتهم الآية وأعلنت أن هذا افتراء على الله تعالى.
وهذا الفصل يدل على استمرار اليهود في مواقفهم التي وقفوها منذ قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة صدا عن سبيل الله ومكايدة وتشكيكا ووسوسة وتآمرا وسوء أدب وهزء مع الزهو والتبجح وعريض الدعوى مما احتوته الفصول العديدة الطويلة في سورتي البقرة وآل عمران بتفصيل أكثره وتدل على أن هذا الاستمرار إنما كان ينشأ عن الغيظ الذي أكل صدورهم من انتشار دعوة النبي وتوطد أمره وسلطانه وعلى أن هذه المواقف كانت تحدث بعض النتائج المؤذية نفسيّا وظرفيّا للنبي والمسلمين.
ولعل أشنع ما حكته عنهم الآيات وأبشعه أن يدفعهم الحقد والحسد والعداء إلى الإيمان بالأصنام والسجود لها وعدم التورع عن الشهادة الفاجرة بأن المشركين هم أهدى من المسلمين الموحدين. وهو موقف يدمغهم بطابع من العار لا يمكن أن يمحى.
ومن المعلوم أن اليهود في المدينة كانوا ثلاث قبائل أو كتل وهي بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة. وقد أجلي بنو قينقاع في السنة الثانية وبنو النضير في السنة الثالثة ونكل ببني قريظة في السنة الخامسة للهجرة على ما شرحناه في سياق تفسير سور الأنفال والحشر والأحزاب. ولا بد من أن يكون هذا الفصل قد نزل وبعض هؤلاء موجود في المدينة يواجه النبي والمسلمين ويقف منهم هذه المواقف التي ذكرتها الآيات لأن الحملة لا يكون لها مكان لو كان نزل بعد جلاء جميع اليهود عن المدينة.
ورواية ذهاب وفد اليهود إلى مكة تذكر أنهم كانوا زعماء بني النضير الذين حلّوا بعد جلائهم عن المدينة في خيبر وتزعموا يهودها، وقد نتج عن ذلك زحف
(١) في الأسفار المتداولة اليوم في أيدي اليهود عبارات كثيرة تذكر أنهم شعب الله وأنه يرعاهم وأنه رب إسرائيل. وفي القرآن آيات عديدة تحكي قولهم أنهم أولياء الله وأبناؤه وأحباؤه وأن الآخرة لهم خالصة وأنهم هم الذين يدخلون الجنة وحدهم مثل آيات البقرة [٩٤ و ١١١] والمائدة [١٨] والجمعة [٦] وهكذا ينطوي في الآيات كون ما جاء في أسفارهم تحريفا وافتراء.