إلى الآن وصاروا به أسوأ البشر من حيث الأخلاق والسلوك نحو سائر البشر.
والآيتان [٤٦ و ٥٥] احتوتا استثناء تكرر في آيات عديدة لفئة قليلة من اليهود ظهر منها نية حسنة فأذعنت للحق وصدقت برسالة النبي ودعوته وآمنت وحسن إسلامها. وقد أشير إلى ذلك في آيات سورة الأعراف [١٥٧] وآل عمران [١١٣ و ١١٩] وفي الآية [١٦٢] من سورة النساء هذه. وتتجلى في هذا صورة رائعة من الإنصاف لا تدع أية شبهة لأي منصف من غير المسلمين في صدق الحملات والنعوت والوقائع القرآنية بالنسبة لليهود. وإذ نقول هذا بهذا الأسلوب إنما نقوله للمساجلة. ونحن نؤمن به أعمق الإيمان.
ولقد ورد في آيات سورة الأعراف [١٦٣- ١٦٨] حملة شديدة على اليهود وإشارة إلى الذين اعتدوا منهم في السبت وما حلّ فيهم من نكال الله ولعنته بسبب ذلك كما وردت إشارة إلى ذلك في آيات سورة البقرة [٦٥، ٦٦] . فالإنذار والإشارة الواردان في الآية [٤٧] من الآيات التي نحن في صددها إنما يمتان إلى هذه الحادثة. ولقد علقنا عليها بما فيه الكفاية في المناسبات السابقة فلا نرى ضرورة للإعادة إلّا القول بأن أسلوب الإنذار هنا قارع رهيب. ولعله آخر إنذار يوجه لليهود مع تجديد الدعوة إلى الإيمان بالرسالة المحمدية التي جاءت مصدقة لما معهم لأن النبي كان قد أجلى بني قينقاع ثم بني النضير ولم يلبث إلا قليلا حتى نكل ببني قريظة وطهر المدينة من رجسهم.
ولقد تعددت تأويلات المؤولين التي يرويها المفسرون لجملة مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها منها أن نجعل وجوههم في أقفيتهم فيمشوا القهقرى ومنها أن نطمس عنهم الهدى فيرتدوا إلى الضلال ولا يكون لهم فلاح أبدا. ومنها أن نطمس على وجوههم ونجعلها مكان إستاتهم. وعلى كل حال فإن فيها إنذارا بمسخ مادي أو معنوي.
وتعددت التأويلات كذلك لجملة كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ منها أن الله يجدد جلودهم كلما احترقت الجلود الأولى ومنها أن