والإهابة بالنصارى إلى الانتهاء هم الآخرون من غلوهم وتطرفهم وقولهم غير الحق على الله وعيسى. والإيمان بالله إلها واحدا منزها عن التعدد بأي تأويل كان.
والاستجابة إلى دعوة رسوله الذي جاء منه بالحق بعد ما سبق من حملة التقريع على اليهود من الإشارة إلى عقيدتهم في عيسى وأمه وموقفهم منه. واختلاف الناس في شأنه وفي صلبه اختلافا قائما على الظنون، وبعد ما أشير إلى طبيعة الرسالة المحمدية واتساقها مع سنّة الله في إرسال الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة وتوكيد صحتها وإيمان الراسخين في العلم من أهل الكتاب بها.
ومثل هذه الاستطرادات مألوف في النظم القرآني مما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة.
وأسلوب الآيات قوي نافذ موجه إلى القلوب والعقول معا. وفيه إنذار وبشرى وتنديد وعظة وبرهان في آن واحد.
والعبارات الواردة في الآيات في صدد معجزة ولادة المسيح مقاربة لما ورد في آيات أخرى. فقد وردت جملة إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ في آية سورة آل عمران [٤٥] والكلمة هنا وهناك في معنى أمر الله وإرادته المتمثلة في جملة كُنْ فَيَكُونُ الواردة في الآية [٤٧] من السورة نفسها على ما عليه الجمهور.
وهذه الجملة وردت في الآية كجواب لمريم التي استغربت أن تلد دون أن يمسها رجل على ما حكته الآية [٤٦] وقد ورد في سورة الأنبياء هذه الآية وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) وكلمة فنفخنا فيها من روحنا في معنى (وروح منه) على ما عليه الجمهور لذلك.
ولقد علقنا على مدى هذه العبارات في المناسبات المذكورة فلا نرى حاجة لتعليق جديد.