والإشارة إلى عقيدة التثليث القرآنية التي تضمنتها جملة وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ في الآيات تأتي هنا لأول مرة. والمعروف أن جمهور النصارى اليوم يعتقدون بإله واحد في ثلاثة أقانيم متساوية بما يعرف بالأب والابن وروح القدس. غير أن العبارة القرآنية هنا تفيد أن النصارى الموجه إليهم الخطاب كانوا يقولون إن الآلهة ثلاثة. ولقد ذكرت المدونات المسيحية القديمة أن من النصارى من كان لا يعتقد بالمساواة التامة بين الأقانيم الثلاثة مع اعتبار الثلاثة واحدا. وإن أكثر النصارى في الشام والعراق ومصر أو كثيرا منهم كان على ذلك «١» بحيث يصح القول إن الخطاب القرآني قد وجه إليهم في الدرجة الأولى والمباشرة لأنهم الذين لهم صلة بالبيئة النبوية. وفي سورة المائدة آيتان هما [٧٢ و ٧٣] واحدة تذكر عقيدة نصارى بأن المسيح ابن مريم هو الله وأخرى تذكر عقيدة نصارى كون الله ثالث ثلاثة. ومما لا يتحمل مراء أن القرآن يقرر واقعا سواء أفي الآيات التي نحن في صددها أم في آيات سورة المائدة.
ومهما يكن من أمر فالآيات هي بسبيل تسفيه عقيدة التثليث ونسبة الولد إلى الله التي كانت عقيدة النصارى. وتقرير كون ذلك مجافيا لأي عقل ومنطق. وتقرير وحدانية الله عز وجل بدون أي شائبة أو تأويل سواء أكان ذلك حقيقة أم مجازا.
وهذه هي العقيدة الصافية الخالية من التعقيد التي جاء بها نبي الإسلام بلسان كتاب الله القرآن لتصحيح الانحراف وتقرير كون الله واحدا أحدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. ثم لتبرئة المسيح عليه السلام من دعوى تلك العقيدة ولتقرير عبوديته لله واستحالة استنطاقه أو استكباره عن ذلك.
وقد حكت آيات قرآنية عديدة أن كل هذا مما قاله المسيح للناس منها في سور مرّ تفسيرها ومنها في سور يأتي تفسيرها ونكتفي بالإشارة إلى أرقامها وهي آيات الزخرف [٦٣ و ٦٤] ومريم [٣٠- ٣٦] والصف [٦] والمائدة [٧٢ و ١١٦ و ١١٧]
(١) انظر تاريخ سورية للدبس المجلد ٣ ج ٢ والمجلد ٤ ج ٢ وكتابنا تاريخ الجنس العربي ج ٢ ص ٣٢٦ وما بعدها وج ٤ ص ٣١٦ وما بعدها وج ٥ ص ٣٧٣ وما بعدها.