هذا ما فعلتم بأنفسكم. أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم. أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولنحوا إلى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد. وكان في المجلس فتى اسمه زيد بن أرقم من الأنصار فقال له: أنت- والله- الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد في عز من الرحمن عز وجل ومودة من المسلمين، فقال له: اسكت فإنما كنت ألعب. فمشى زيد إلى رسول الله فأخبره الخبر- وعنده عمر بن الخطاب- فقال له: دعني أضرب عنقه يا رسول الله، فقال له: كيف يا عمر إذا تحدّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. ثم آذن بالرحيل في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها، فارتحل الناس وأرسل رسول الله إلى ابن سلول فلما جاءه قال له: أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني فقال له: والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب. فقال من حضر من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام وهم في حديثه، فعذر النبي ابن سلول وفشت الملامة في الأنصار لزيد وكذبوه.
وكان له عمّ فقال له: ما أردت إلّا أن كذبك رسول الله والناس كلهم يقولون إن عبد الله شيخنا وكبيرنا ولا يصدق عليه كلام غلام مفتون. فاستحيا الفتى وصار يبتعد عن رسول الله. وجاء أسيد بن حضير أحد زعماء الأوس إلى النبي فقال له:
رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها، فقال له: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟
قال وما قال؟ قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل، فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت. هو الذليل وأنت العزيز. ثم قال يا رسول الله أرفق به فو الله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه وإنه ليرى أنك استلبته ملكا. وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله فقال: يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي لما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه. فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه مني وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتله يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا. وعاد النبي إلى المدينة وجلس زيد بن أرقم